۩ البحث ۩



البحث في

۩ إحصائية الزوار ۩

الاحصائيات
لهذا اليوم : 550
بالامس : 643
لهذا الأسبوع : 3177
لهذا الشهر : 25191
لهذه السنة : 93797
منذ البدء : 3708037
تاريخ بدء الإحصائيات : 3-12-2012

۩ التواجد الآن ۩

يتصفح الموقع حالياً  38
تفاصيل المتواجدون

:: حارسةُ المالِ ::

القصة

:: حارسةُ المالِ ::

 د. ظافرُ بنُ حسنٍ آلُ جَبْعانَ

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

ومنه المعونةُ والتَّسديدُ

حارسةُ المالِ

الحمدُ للهِ وكفى، وصلاةً وسلامًا على نبيِّه الَّذي اصطفى، وعلى آلِه وصحبِه أجمعينَ.

أمَّا بعدُ؛ فإنَّ لإخراج الزَّكاةِ فوائدَ وعوائدَ على الفردِ والمجتمعِ، وحِكَمًا وفرائدَ منها:

أولًا: إخراجُها مِن إتمامِ إسلامِ العبدِ وكمالِه؛ لأنَّها أحدُ أركانِ الإسلامِ الَّتي لا يقومُ إسلامُ العبدِ إلَّا بإخراجِها.

ثانيًا: إخراجُها دليلٌ على صدقِ إيمانِ المُزكِّي، وزكاةِ أخلاقِه.

ثالثًا: إخراجُها سببٌ لانشراحِ صدرِه، وسخاءِ نفسِه.

رابعًا: إخراجُها تعودُ على المالِ بالبركةِ والنَّماءِ، والتَّزكيةِ والنَّقاءِ؛ يقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ لنبيِّه عليه السَّلام: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا} [التَّوبة:103]، فالزَّكاةُ وقايةٌ لمالِ المُزكِّي من الآفاتِ، وسببٌ للزِّيادةِ والتَّضعيفِ وحصولِ البركاتِ.

خامسًا: في إخراجها حفظٌ للمالِ وحراسةٌ له، وأسوقُ لك الآنَ قصَّةً تُبرهِنُ أنَّ الزَّكاةَ للمالِ حارسٌ.

يقولُ الرَّاوي: عزم قومٌ من أهلِ الثَّراءِ في بلادِ الشَّامِ على الحج، فأرادوا أن يَصحَبَهم مَن يقومُ على خدمتِهم، فأشاروا عليهم برجلٍ خَدُومٍ طبَّاخٍ خفيفِ الظِّلِّ لم يَحُجَّ، فعرضوا عليه أن يَصحَبَهم ويخدمَهم، فيصنعَ طعامَهم، ويقضيَ حوائجَهم، وتكونُ أُجرتُه الحجَّ معَهم.

فوافَقَ فَرِحًا بهذا العرضِ السَّخِيِّ، وكان الحجُّ من أُمنِياتِه الَّتي حالَ بينَه وبينَها الفقرُ، وكم في المسلمين من نُظَرائِه!!

وعندَما وصلوا مكَّةَ؛ استَأْجَرُوا بيتًا، وخصَّصوا فيه حُجرةً تكونُ مطبخًا، وبدأ الخادمُ بالعملِ جادًّا فَرِحًا، وفُوجِئ ذاتَ يومٍ وهو يدقُّ الحبوبَ القاسيةَ، فإذا بالأرضِ تُطَبْطِبُ وتَهتَزُّ، وتُوحِي بأنَّ شيئًا مدفونًا في قعرِها، فدعته نفسُه أن يبحثَ عن المُخبَّإِ، فلعلَّ رِزقًا ينتظرُه في جوفِ الأرضِ.

وبالفعلِ، كانت المُفاجأةُ السَّعيدةُ: كيسٌ من الذَّهبِ الأحمرِ في صندوقٍ صغيرٍ من الحديدِ!!

التَفَتَ يمنةً ويسرةً لئلَّا يكونَ أحدٌ قد اطَّلع على الرِّزقِ المستورِ، وبعدَ تفكيرٍ رأى أن يُعِيدَه مكانَه حتَّى يأذنَ القومُ بالرَّحيلِ فيأخذَه معَه، ويُخفِيَه عنهم.

وبدأ من تلك السَّاعةِ سيلُ الأفكارِ والأمانيِّ: ماذا يصنعُ بهذا المالِ، وكيف سيُودِّعُ أيَّامَ الفقرِ والحاجةِ والعوَزِ والفاقةِ؟

ونَسِي في غمرةِ ذلك أنَّ هذا المالَ حرامٌ عليه؛ فهو في بلدٍ حرامٍ، لا تَحِلُّ لُقَطتُه إلَّا لمُنشِدٍ ولو كان شيئًا قليلًا.

ولكنَّه الإنسانُ .. كما وصفه اللهُ في سورةِ العادياتِ: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [العاديات:٨]!

ولمَّا آذَنُوا بالرَّحيلِ، جعل الصُّرَّةَ بينَ متاعِه، وحملها على جَمَلِه، وأَحكَم إخفاءَها وخبرَها، وسار القومُ، وصاحبُنا لا يشعرُ بمشقَّةِ السَّفرِ، ولا بالضِّيقِ من بُعدِ الطَّريقِ، والأمانيُّ تحومُ في رأسِه، والخوفُ الشَّديدُ يُحاصِرُه؛ شفقةً على المالِ من الزَّوالِ!

وعندَما وصلوا منطقةً قُربَ تبوكَ نزلوا ليرتاحوا، ونزل صاحبُنا وبدأ عملَه المُعتادَ في الخدمةِ والطَّبخِ.

وفجأةً شَرَدَ جملُ الخادمِ بما حمل، فتسارَع القومُ لردِّه، وكان أشدُّهم في ذلك صاحِبَه، ولكنَّ الجملَ فات على الجميعِ، ولم يُدرِكْه أحدٌ!! فعاد النَّاسُ بالخيبةِ، وتأثَّر الخادمُ حتَّى بلغ الأمرُ به حدَّ البكاءِ الَّذي لا يليقُ بثباتِ الرِّجالِ!!

ولمَّا رأى أصحابُه منه هذا الجزعَ؛ طَمْأَنُوه، ووعدوا أن يَضمَنُوا جملَه، ويُعوِّضوه خيرًا منه، وخيرًا ممَّا عليه، لكنَّه أبدى لهم بأنَّ عليه أشياءَ لا يُمكِنُه الاستغناءُ عنها، وهدايا وتُحَفًا اشتراها من مكَّةَ والمدينةِ لأهلِه، وهذا سببُ حزنِه.

لكنَّ القومَ لم يلتفتوا لِمَا أصابه، وطلبوا الرَّحيلَ لمُواصَلةِ المسيرِ والتَّعجُّلِ إلى الأهلِ، فرَضَخ مُكرَهًا لطلبِهم، وسار معَهم حتَّى وصل بلدَه مغمومًا من ذهابِ الذَّهبِ، وفقدانِ الأملِ!

وظَلَّ على ذلك حَوْلًا كاملًا، والحسرةُ تَلُفُّه، والكمدُ يَحُسُّه!!

وفي العامِ الَّذي يليه رَغِب آخرون من الأثرياءِ في الحجِّ، وسألوا عمَّن يُرافِقُهم ويقومُ على خدمتِهم، فأوصاهم الأوَّلون بصاحبِنا ومدحوه لهم، وأَثنَوْا على عملِه خيرًا، وفي طريقِهم للحجِّ نزلوا منزلًا قريبًا من المنزلِ الَّذي فَقَدَ فيه صاحبُنا جملَه.

ولمَّا ذهب لقضاءِ حاجتِه مرَّ ببئرٍ مهجورةٍ، فأطلَّ فيها فوجد في قاعِها أثرَ جملٍ ميِّتٍ، فنزل والأملُ يحدوه أن يكونَ الجملُ جملَه، فوجده بالفعلِ ميِّتًا قد بَلِيت عظامُه، وأمَّا المتاعُ وكيسُ الذَّهبِ فكان على حالِه، لم ينقصْ منهما شيءٌ!

فأخذ الذَّهبَ وأخفاه، وعادت إليه أفراحُه وأمانيُّه، وسكن معَ أصحابِه في البيتِ نفسِه، واتَّخذ من الحجرةِ الَّتي خُصِّصتْ له مطبخًا، ورأى أن يُعِيدَ المالَ إلى مكانِه رَيْثَما ينتهي الحجُّ فيأخذُه مرَّةً أخرى إلى الشَّامِ.

وفي تلك الأيَّامِ، جاء رجلٌ هِنْديٌّ، لعلَّه صاحبُ البيتِ، وطلب أن يأخذَ شيئًا من البيتِ، فأَذِنوا له، فدخل حجرةَ صاحبِنا، وقصد موضعَ الصُّندوقِ، فحفر ثُمَّ أخرج الصُّندوقَ!

وكان الخادمُ ينظرُ إليه وهو في غايةِ الذُّهولِ، فلمَّا رآه قد عَثَرَ عليه وأخذه؛ استَوْقَفَه قائلًا له: ما هذا الَّذي أخذتَ؟

فقال الرجلُ: ذهبٌ كنتُ خبَّأتُه في هذا الموضعِ من سنينَ، وقد احتَجتُه اليومَ، فجِئتُ لآخُذَه.

وهنا لم يتمالكْ صاحبُنا نفسَه أن قالَ للرجلِ: وهل تعلمُ أنَّ مالَكَ هذا قد وصل إلى أطرافِ بلادِ الشَّامِ، ثُمَّ عاد إلى هذه البقعةِ لم يَنقُصْ منه شيءٌ؟!!

فقال الرجلُ: واللهِ لو طاف الأرضَ كُلَّها؛ لعاد إلى مكانِه وما ضاع منه شيءٌ؛ لأنِّي أُزكِّيه كُلَّ عامٍ، لا أتركُ من زكاتِه شيئًا، واللهُ يحفظُه لي. فيا لَلَّهِ!! كيف أنَّ اللهَ حَفِظ بالزَّكاةِ مالَه، فكانت الزَّكاةُ للمالِ حارسًا؟!

أَلَا فاتَّقْ اللهَ -عبدَ اللهِ-، وسابِقْ لأداءِ فرائضِه، واحذَرْ من التَّهاونِ في حقوقِه وحدودِه.

روابط ذات صلة

القصة السابق
القصص المتشابهة القصة التالي

.

تصميم وتطوير كنون