۩ البحث ۩



البحث في

۩ إحصائية الزوار ۩

الاحصائيات
لهذا اليوم : 605
بالامس : 840
لهذا الأسبوع : 4072
لهذا الشهر : 26086
لهذه السنة : 94692
منذ البدء : 3708932
تاريخ بدء الإحصائيات : 3-12-2012

۩ التواجد الآن ۩

يتصفح الموقع حالياً  39
تفاصيل المتواجدون

:: التَّقاعُدُ بينَ التَّكريمِ والتَّضييعِ ::

المقال

:: التَّقاعُدُ بينَ التَّكريمِ والتَّضييعِ ::

 د. ظَافِرُ بْنُ حَسَنٍ آلُ جَبْعَانَ


بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

اللَّهُمَّ اهدِني وسدِّدْني وثبِّتْني

التَّقاعُدُ بينَ التَّكريمِ والتَّضييعِ

الحمدُ للهِ وكفى، وصلاةً وسلامًا على نبيِّه الَّذي اصطَفَى، وعلى آلِه وصحبِه أجمعينَ.

أمَّا بعدُ؛ فقد انتَشَر في هذه الأزمنةِ المُتأخِّرةِ ظاهرةٌ مَنبَعُها في الظَّاهرِ الوفاءُ، وحُبُّ رَدِّ الجميلِ لِمَن يُتِمُّ عملًا أيًّا كان، ومن ذلك إنهاءُ خدمةٍ مُعيَّنةٍ في أيِّ وظيفةٍ كانت، فيَتقدَّمُ جمعٌ ممَّن لهم به صلةٌ، سواءٌ قرابةٌ، أو صداقةٌ، أو عَلاقةُ مَصلَحةٍ ونحوِها بإقامةِ حفلٍ للمُحتفَى به، يَحضُرُه جَمعٌ من النَّاسِ، وفيه تُقدَّمُ له الهدايا والدُّروعُ التِّذكاريَّةُ بعدَ حفلٍ خطابيٍّ فيه كلماتٌ وإطراءٌ، ومدحٌ وثناءٌ، ومسيرةُ بذلٍ وعطاءٍ، عن طريقِ التَّقاريرِ والصُّورِ، والعروضِ والبيانِ، ثُمَّ يُقدَّمُ على شَرَفِه وجبةُ طعامٍ ينصرفُ بعدَها الجميعُ، بينَ مُعجَبٍ ومادحٍ، أو مُنتقِدٍ وقادحٍ.

وبحُكمِ أنَّ هذه أصبحت ظاهرةً انتَشَر فعلُها، وأصبحت عادةً في مُجتمَعاتِنا، أَحبَبتُ إلقاءَ الضَّوءِ عليها من النَّاحيةِ الشَّرعيَّةِ.

فالقولُ فيها بعدَ رَدِّ العلمِ إلى اللهِ تعالى:

إنَّ أصلَ التَّكريمِ مُباحٌ، لكنْ إذا احتَفَّت بهِ بعضُ التَّجاوزاتِ الشَّرعيَّةِ في القولِ والفعلِ؛ فإنَّها تَنقُلُه من دائرةِ المباحِ إلى دائرةِ الممنوعِ.

فإِن كان لقاءً وتكريمًا مُختصَرًا يخلو من الإطراءِ [وهو: المُبالَغةُ في المدحِ والثَّناءِ]، وأُمِن على الممدوحِ منه العُجبُ والخُيَلاءُ = فلا بأسَ به، ولا حرجَ في إظهارِ الفرحِ بهذه المناسبةِ.

لكنْ يَحسُنُ بالمسلمِ في مثلِ هذه المناسباتِ تَجنُّبُ المخالفاتِ الشَّرعيَّةِ، ومنها:

1- المبالغةُ في الثَّناءِ والمدحِ، وهذا قد نهى عنه الشَّرعُ الشَّريفُ؛ لِمَا فيه من المفاسدِ الَّتي تعودُ على نيَّةِ العبدِ وعملِه، ولذلك جاء في «الصَّحيحينِ» من حديثِ أبي بَكْرةَ -رضي اللهُ عنه- أَنَّ رَجُلًا ذُكِرَ عِندَ النَّبِيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- فأَثنَى عليه رَجُلٌ خَيرًا، فقالَ النَّبِيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: «وَيْحَكَ! قَطَعتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ -يَقُولُهُ مِرَارًا- إِنْ كَانَ أَحَدُكُم مَادِحًا لا مَحَالةَ فَلْيَقُلْ: أَحْسِبُ كَذَا وَكَذَا. إِنْ كَانَ يُرَى أَنَّهُ كَذَلِكَ، وَحَسِيبُهُ اللَّهُ، وَلا يُزَكِّي عَلَى اللَّهِ أَحَدًا».

وجاء في «صحيحِ مُسلِمٍ» من حديثِ المِقْدادِ بنِ الأسودِ -رضي اللهُ عنه- أنَّه قال: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- أَنْ نَحْثِيَ فِي وُجُوهِ الْمَدَّاحِينَ التُّرَابَ.

وعن مُعاوِيةَ -رضي اللهُ عنه- عن النَّبِيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- أنَّه قالَ: «إِيَّاكُم والتَّمادُحَ؛ فَإِنَّهُ الذَّبْحُ» [أخرجه الإمامُ أحمدُ (16395)، وابنُ ماجه (3743) وحسَّنه الألبانيُّ في «صحيح ابن ماجه»].

قال المُناوِيُّ -رحمه اللهُ تعالى-: (لِمَا فيه مِن الآفةِ في دِينِ المادحِ والممدوحِ، وسَمَّاه ذبحًا لأنَّه يُمِيتُ القلبَ فيَخرُجُ من دينِه، وفيه ذبحٌ للممدوحِ فإنَّه يَغُرُّه بأحوالِه ويُغرِيه بالعُجبِ والكِبْرِ، ويرى نفسَه أهلًا للمِدْحةِ، سِيَّما إذا كان من أبناءِ الدُّنيا أصحابِ النُّفوسِ وعبيدِ الهوى. وفي روايةٍ: «فَإِنَّهُ مِنَ الذَّبْحِ»؛ وذلك لأنَّ المذبوحَ هو الَّذي يَفتُرُ عن العملِ، والمدحُ يُوجِبُ الفتورَ، أو لأنَّ المدحَ يُورِثُ العُجبَ والكِبرَ، وهو مُهلِكٌ كالذَّبحِ، فلذلك شُبِّه به.

قال الغَزَّاليُّ -رحمه اللهُ-: فمَن صَنَع بكَ معروفًا: فإن كان ممَّن يُحِبُّ الشُّكرَ والثَّناءَ؛ فلا تَمدَحْه؛ لأنَّ قضاءَ حقِّه ألَّا تُقِرَّه على الظُّلمِ، وطلبُه للشُّكرِ ظلمٌ، وإلَّا فأَظهِرْ شُكرَه لِيَزدادَ رغبةً في الخيرِ) [«فيض القدير» 3/129].

وقال الإمامُ الغَزَّاليُّ -رحمه اللهُ تعالى-: (والمدحُ تدخلُه سِتُّ آفاتٍ: أربعٌ في المادحِ، واثنتانِ في الممدوحِ.

فأمَّا المادحُ: فالأُولَى: أنَّه قد يُفرِطُ فينتهي به إلى الكذبِ، قال خالدُ بنُ مَعْدانَ: "مَن مدح إمامًا أو أحدًا بما ليس فيه على رؤوسِ الأشهادِ = بعثه اللهُ يومَ القيامةِ يَتعثَّرُ بلسانِه".

والثَّانيةُ: أنَّه قد يدخلُه الرِّياءُ؛ فإنَّه بالمدحِ مُظهِرٌ للحُبِّ، وقد لا يكونُ مُضمِرًا له، ولا مُعتقِدًا لجميعِ ما يقولُه؛ فيصيرُ به مُرائِيًا مُنافِقًا.

والثَّالثةُ: أنَّه قد يقولُ ما لا يَتحقَّقُ، ولا سبيلَ له إلى الاطِّلاعِ عليه.

الرَّابعةُ: أنَّه قد يُفرِحُ الممدوحُ وهو ظالمٌ أو فاسقٌ، وذلك غيرُ جائزٍ؛ قال رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: «إنَّ اللهَ -عزَّ وجلَّ- يَغضَبُ إذا مُدِحَ الفَاسِقُ» [أخرجه أبو يَعلَى في «مُعجَمِه» (ص156)، والبيهقيُّ في «الشُّعَبِ» 6/405].

وقال الحسنُ -رحمه اللهُ تعالى-: (مَن دعا لظالمٍ بطُولِ البقاءِ؛ فقد أَحَبَّ أن يُعصَى اللهُ تعالى في أرضِه).

والظَّالمُ الفاسقُ ينبغي أن يُذَمَّ لِيَغتَمَّ، ولا يُمدَحَ لِيَفرَحَ.

أمَّا الممدوحُ فيَضُرُّه من وجهينِ:

أحدُهما: أنَّه يُحدِثُ فيه كِبرًا وإعجابًا، وهما مُهلِكانِ. قال الحسنُ: كان عمرُ -رضي الله عنه- جالسًا ومعَه الدِّرَّةُ والنَّاسُ حولَه، إذ أَقبَلَ الجارودُ بنُ المنذرِ، فقال رجلٌ: هذا سيِّدُ ربيعةَ، فسَمِعها عمرُ -رضي اللهُ عنه- ومَن حولَه وسَمِعها الجارودُ، فلَمَّا دنا منه خَفَقَه بالدِّرَّةِ، فقال: مالي ولكَ يا أميرَ المؤمنين؟!! قال: مالي ولكَ؟! أَمَا لقد سَمِعتَها؟! قال: سَمِعتُها، فمَهْ؟! قال: خَشِيتُ أن يُخالِطَ قلبَكَ منها شيءٌ، فأَحبَبتُ أن أُطأطِئَ منكَ.

الثَّاني: هو أنَّه إذا أثنى عليه بالخيرِ؛ فَرِح به، وفَتَر، ورَضِي عن نفسِه. ومَن أُعجِبَ بنفسِه قَلَّ تَشمُّرُه، وإنَّما يَتشمَّرُ للعملِ مَن يرى نفسَه مُقصِّرًا، فأمَّا إذا انطَلَقَتِ الألسنُ بالثَّناءِ عليه ظَنَّ أنَّه قد أَدرَكَ!

أمَّا إذا سَلِم المدحُ من هذه الآفاتِ في حقِّ المادحِ والممدوحِ = لم يكنْ به بأسٌ، بل رُبَّما كان مندوبًا إليه) [«إحياء علوم الدِّين» 3/233 بتَصرُّفٍ يسيرٍ].

وهنا سؤالٌ: لماذا يَتشوَّفُ البعضُ للمديحِ والتَّشريفِ على عملِه الَّذي يأخذُ عليه أجرًا، ويتقاضى عليه مُرتَّبًا، وينالُ منه نوالًا؟!

2- المدحُ الكاذبُ لأجلِ إرضاءِ المُحتفَى به، أو الحضورِ؛ فهذا أشنعُ وأقبحُ، وهو من الكبائرِ الَّتي لا تجوزُ بحالٍ، بل يدخلُ فيه البهتانُ والزُّورُ، يقولُ النَّبِيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: «أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟» ثَلاثًا. قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ»، وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ: «أَلا وَقَوْلُ الزُّورِ». قَالَ: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ. [أخرجه البخاريُّ (2654)، ومسلمٌ (269) عن أبي بَكْرةَ رضي اللهُ عنه].

ومَن حضر وهو يعلمُ كَذِبَ القائلِ = فهو حاضرٌ مجلسَ زُورٍ، فإن رَضِي بما فيه فإنَّه شريكٌ فيه، يُسأَلُ عنه أمامَ اللهِ -عزَّ وجلَّ-، ولذلك يحرمُ الجلوسُ في المجالسِ الَّتي تُوجَدُ بها المنكراتُ.

3- المبالغةُ في الهدايا والهباتِ ممَّا لا يُستفادُ منه؛ كالدُّروعِ التِّذكاريَّةِ، والسُّيوفِ، والتُّحَفِ، ونحوِها... بل في أحايينَ كثيرةٍ على حسابِ مَن لا يعرفُ المُحتفَى به، أو ليس له به صِلةٌ إلَّا أَشهُرًا أو أيَّامًا قليلةً، ممَّا يُخرِجُها إلى بابِ السَّرَفِ والمُباهاةِ.

4- الرَّغبةُ في تحقيقِ مصالحَ وعَلاقاتٍ معَ المُحتفَى به؛ لقُربِه من صاحبِ القرارِ مثلًا، أو لعَلاقاتٍ أخرى؛ فتكونُ هذه بمنزلةِ الرِّشوةِ لكسبِ وُدِّه، وتحقيقِ المصالحِ من تكريمِه ومدحِه.

5- أخذُ مالِ المصروفاتِ بسيفِ الحياءِ؛ فهذا ممَّا عمَّت به هذه المناسباتُ، فقد لا يكونُ لِمَن دفع المالَ صِلةٌ مُباشِرةٌ، أو حتَّى معرفةٌ ظاهرةٌ بالمُحتفَى به، غيرَ أنَّه في إدارتِه، أو تحتَ مظلَّةِ عملِه، وهذا في حُكمِ غصبِ المالِ بغيرِ حقٍّ، يقولُ النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: «لا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسِهِ» [أخرجه أحمدُ 5/72، وأبو يَعلَى في «مُسنَدِه» 3/140، والدَّارقطنيُّ في «سُنَنِه» 3/422].

ويقولُ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: «إِنَّ هَذَا المالَ حُلْوةٌ، مَن أَخَذَه بحَقِّه ووَضَعَه في حَقِّه؛ فنِعمَ المَعُونةُ هُوَ، ومَن أَخَذَه بغَيرِ حَقِّه؛ كانَ الَّذِي يَأكُلُ ولا يَشبَعُ» [أخرجه البخاريُّ (6427) عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي اللهُ عنه]؛ فلا يجوزُ للمسلمِ أن يأخذَ مالَ غيرِه باستغلالِ حيائِه.

6- الإسرافُ والتَّبذيرُ، والبَذَخُ في اختيارِ المكانِ، والطَّعامِ، واستضافةِ مَن يقومُ على الخدمةِ بأثمانٍ باهظةٍ؛ وهذا كُلُّه داخلٌ في بابِ الإسرافِ المَنْهيِّ عنه، يقولُ اللهُ تعالى: {وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام: 141]، [الأعراف: 31]، فإذا كان الإسرافُ في الأكلِ والشُّربِ ممنوعًا؛ وجب أن يكونَ الإسرافُ في الإنفاقِ ممنوعًا؛ لأنَّ ذلك إنَّما يكونُ بصَرفِ المالِ في أكثرَ ممَّا يُحتاجُ إليه مِن المأكولِ والمشروبِ.

7- إحضارُ الفِرَقِ الموسيقيَّةِ ونحوِها لإحياءِ الحفلِ؛ وهذا مُنكَرٌ ظاهرٌ؛ لقيامِ الأدلَّةِ الشَّرعيَّةِ على تحريمِ المعازفِ واستماعِها. قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّةَ -رحمه اللهُ تعالى-: (مذهبُ الأئمَّةِ الأربعةِ أنَّ آلاتِ اللَّهوِ كُلَّها حرامٌ، ثبت في «صحيحِ البخاريِّ» وغيرِه: أنَّ النَّبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- أَخبَر أنَّه سيكونُ مِن أُمَّتِه مَن يَستحِلُّ الحِرَ والحَرِيرَ والخمرَ والمَعازِفَ، وذكر أنَّهم يُمسَخُونَ قِرَدةً وخنازيرَ ... ولم يَذكُرْ أحدٌ من أتباعِ الأئمَّةِ في آلاتِ اللَّهوِ نِزاعًا) [«مجموع الفتاوى» 11/576].

وقال الإمامُ الألبانيُّ -رحمه اللهُ تعالى-: (اتَّفَقتِ المذاهبُ الأربعةُ على تحريمِ آلاتِ الطَّرَبِ كُلِّها). [«السِّلسلة الصَّحيحة» 1/145].

8- تعليقُ الصُّورِ الَّتي فيها التَّعظيمُ والتَّبجيلُ؛ فإنَّه لا يجوزُ وضعُ الصُّورِ الفوتوغرافِيَّةِ لذواتِ الأرواحِ على الجُدرانِ؛ لأنَّ ذلك يُؤدِّي إلى تعظيمِها، لا سِيَّما إن كان صاحبُ الصُّورةِ ذا مكانةٍ في نفوسِ الَّذين علَّقوا صورتَه. أمَّا إذا أُمِنتِ الفتنةُ، ولم يُؤدِّ تعليقُها إلى تعظيمِها = فإنَّ الأحوطَ عدمُ تعليقِها؛ خروجًا من الخلافِ في حُرمةِ التَّصويرِ الفوتوغرافيِّ. قال الشَّيخُ ابنُ عُثَيمين -رحمه اللهُ تعالى-: (تعليقُ الصُّورِ على الجُدرانِ -ولا سيَّما الكبيرةُ منها- حرامٌ حتَّى وإن لم يخرجْ إلَّا بعضُ الجسمِ والرَّأسِ. وقصدُ التَّعظيمِ فيها ظاهرٌ, وأصلُ الشِّركِ هو هذا الغلوُّ، كما جاء ذلك عن ابنِ عبَّاسٍ -رضي اللهُ عنهما- أنَّه قال في أصنامِ قومِ نوحٍ الَّتي يَعبُدُونها: "إنَّها كانت أسماءَ رجالٍ صالحين، صوَّروا صُوَرَهم لِيَتذَّكُروا العبادةَ، ثُمَّ طالَ عليهم الأَمَدُ فعَبَدُوهم) [«مجموعُ فتاوى ورسائلِ الشَّيخِ ابنِ عُثَيمين» 2/269].

9- تكريمُ مَن كان مُحارِبًا للهِ أو لرسولِه أو لأوليائِه؛ كمَن يعملُ في البنوكِ الرِّبويَّةِ ونحوِها؛ فعلى ماذا يُكرَّمُ، وبأيِّ عملٍ يُحتفَى به؟! فإذا حصل مثلُ هذا التَّكريمِ = فهذا تَعَدٍّ وظُلمٌ، وإسخاطٌ للهِ تعالى، يقولُ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: «لا تَقُولُوا لِلْمُنَافِقِ: سَيِّدٌ. فَإِنَّهُ إِنْ يَكُ سَيِّدًا فَقَدْ أَسْخَطْتُمْ رَبَّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ». [أخرجه أحمدُ 5/346، وأبو داودَ (4977)، والبخاريُّ في «الأدبِ المُفرَدِ» (460) عن بُرَيدةَ الأسلميِّ رضي اللهُ عنه].

نصيحةٌ:

أَنصَحُ كُلَّ مَن قدَّم عملًا لبلدِه أو لأُمَّتِه أو لنفسِه: أن يَحرِصَ أشدَّ الحرصِ على ألَّا يسمحَ لغيرِه بأن يتَّخذَ مِن يومِ تقاعدِه وإتمامِ عملِه فُرصةً لأن يذهبَ بأجرِه، أو ببعضِه؛ فقد لا يكونُ للعبدِ مِن الأجرِ إلَّا ما ناله من الثَّناءِ والمدحِ، أو رغبتُه أمامَ أهلِه وجماعتِه أن يظهرَ بمظهرِ المُنجِزِ المُجِدِّ، والعاملِ الأمينِ النَّاصحِ، وتَعظُمُ المُصِيبةُ إذا كان الكثيرُ يعلمون منه التَّقصيرَ والتَّضييعَ للأمانةِ، ثُمَّ يَحمِلُه حُبُّ الثَّناءِ الكاذبِ، والإطراءِ الزَّائفِ للتَّظاهرِ بمظهرٍ ليس له، وبلباسٍ يَتقمَّصُه وهو منه بَرَاءٌ! وفيه يقولُ النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: «المُتَشبِّعُ بِما لم يُعْطَ كَلابِسِ ثَوْبَي زُورٍ» [مُتَّفَقٌ عليه].

وكذلك أُوصِي مَن بادَر للإكرامِ أن يَحتسِبَ الأجرَ من اللهِ تعالى، وألَّا يُتبِعَ ما أَنفَقه في الإكرامِ مَنًّا ولا أَذًى.

ختامًا: لقد جَرَّت مثلُ هذه الحفلاتِ والتَّكريماتِ التَّوسُّعَ المَقِيتَ، والمُبالَغةَ المذمومةَ؛ ففتحت بابًا ذا مِصْراعٍ عريضٍ فانتَقَلت من المبالغةِ في تكريمِ المتقاعدين ونحوِهم إلى المبالغةِ في حفلاتِ التَّخرُّجِ، والمناسباتِ، حتَّى طالت تلك المبالغاتُ المُتخرِّجَ من رياضِ الأطفالِ! واللهُ المستعانُ، ومن هنا فعلى العُقلاءِ، وأهلِ القُدوةِ أن يتجنبوا مثلَ هذهِ الاحتفالاتِ، والمناسباتِ، ويُحذِّروا من مثلِ هذهِ التَّجاوزاتِ.

أسألُ اللهَ الهدايةَ والتَّوفيقَ للجميعِ لِمَا فيه صلاحُ الأديانِ والأعمالِ.

الجميلِ , المُتأخِّرةِ , الوفاءُ، , ذلك , وظيفةٍ , وحُبُّ , كان، , رَدِّ , لِمَن , كانت , الظَّاهرِ , هذه , مَنبَعُها , عملًا , الأزمنةِ , أيًّا , انتَشَر , في , مُعيَّنةٍ , ظاهرةٌ , أيِّ , يُتِمُّ , خدمةٍ , إنهاءُ , ومن

جديد المقالات

.

تصميم وتطوير كنون