۩ البحث ۩



البحث في

۩ إحصائية الزوار ۩

الاحصائيات
لهذا اليوم : 300
بالامس : 840
لهذا الأسبوع : 3767
لهذا الشهر : 25781
لهذه السنة : 94387
منذ البدء : 3708627
تاريخ بدء الإحصائيات : 3-12-2012

۩ التواجد الآن ۩

يتصفح الموقع حالياً  42
تفاصيل المتواجدون

:: عِبادةُ الاستغفارِ ::

المقال

:: عِبادةُ الاستغفارِ ::

 د. ظَافِرُ بْنُ حَسَنٍ آلُ جَبْعَان


بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

اللهمَّ اهدِني وسدِّدْني وثَبِّتْني

عِبادةُ الاستغفارِ

الحمدُ للهِ الَّذي جعل الاستغفارَ للتَّائبينَ بابًا، وللمُنِيبينَ اعتذارًا، وللعابدينَ ذِكرًا. والصَّلاةُ والسَّلامُ على خيرِ المُرسَلينَ، وإمامِ المُستغفِرينَ، وقدوةِ الخلائقِ أجمعينَ، أعظمِ مَن دَلَّ على اللهِ، وأَرشَد إليه؛ فصلَّى اللهُ وسلَّم عليه، وعلى آلِه وصحبِه أجمعينَ.

أمَّا بعدُ؛ فالاستغفارُ هو طلبُ المغفرةِ بالمقالِ والفِعالِ، وهو لا يَصلُحُ إلَّا لمَن آلمتْه حرقةُ الذَّنبِ، وتاقت نفسُه لأعمالِ البِرِّ، وعلت هِمَّتُه لبُلوغِ مراتبِ الذِّكرِ، فشمَّر عن ساعدَيِ الجدِّ، وألقى بمفاتيحِ الغفلةِ في غياباتِ الجُبِّ.

الاستغفارُ عبادةٌ ميسورةٌ، يُطيقُها الصَّغيرُ والكبيرُ، والذَّكرُ والأنثى، ولا يُعيقُ فاعلَها عائقٌ، فيَصلُحُ أن يُؤتَى بها في اللَّيلِ والنَّهارِ، والجهرِ والإسرارِ؛ فلا الجنابةُ تمنعُها، ولا عذرُ المرأةِ يحجبُها. فمَن أراد فِعلَها فهي سهلةٌ ميسورةٌ، ومَن أراد الإتيانَ بها فما عليه إلَّا أن يُحرِّكَ بها شفتَيْه ولسانَه، وليس إمرارًا على الذِّهنِ أو العقلِ أو القلبِ، وإنَّما هي ذكرٌ لسانيٌّ يُطابِقُ القلبَ.

فعلى المسلمِ وهو يستغفرُ بلسانِه أن يحرصَ على حضورِ قلبِه، فأفضلُ الذِّكرِ والاستغفارِ ما طابَق فيه اللِّسانُ القلبَ.

إنَّ الاستغفارَ ينبغي أن يكونَ بتَذلُّلٍ وتَضرُّعٍ وانكسارٍ، وخضوعٍ وافتقارٍ، وبعيونٍ دامعةٍ، وقلوبٍ خاشعةٍ، ونفوسٍ إلى رحمةِ ربِّها وصفحِه وفضلِه طامعةٍ. وينبغي أن يكونَ معَه حرارةُ الابتهالِ، والصِّدقُ في السُّؤالِ، والتَّضرُّعُ في الحالِ، والشُّعورُ بالفقرِ إلى المغفرةِ في الاستقبالِ.

هذه العبادة يُستحَبُّ للعبدِ أن يكونَ مُتَّصِلًا بها، مُواظِبًا عليها في اللَّيلِ والنَّهارِ، وأفضلُ أوقاتِها الأسحارُ، حينما ينـزلُ الكريمُ الجبَّارُ بعظمتِه وعِزّتِه ورحمتِه إلى السَّماءِ الدُّنيا، ويُنادِي عِبادَه بنداءٍ لطيفٍ؛ لنيلِ مصالحِهم، وغفرانِ زَلَّاتِهم، وقضاءِ حاجاتِهم؛ فعن أبي هُريرةَ -رضي اللهُ عنه- أنَّ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- قَالَ: «يَنزِلُ رَبُّنا -تَبارَكَ وتَعالَى- كُلَّ ليلةٍ إلى السَّماءِ الدُّنيا حِينَ يَبقَى ثُلُثُ اللَّيلِ الآخِرُ، يقولُ: مَن يَدعُونِي فأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَن يَسأَلُنِي فأُعْطِيَه، مَن يَستَغْفِرُنِي فأَغفِرَ لَهُ» [أخرجه البخاريُّ (1145)].

ومِن أفضلِ أوقاتِها -أيضًا- عندَ اقترافِ العبدِ للسَّيِّئاتِ والأوزارِ؛ فهي دواءُ الذُّنوبِ، وعلاجُ الأوزارِ والسَّيِّئاتِ، فما جُعل من داءٍ إلَّا له دواءٌ، عَلِمهُ مَن عَلِمه، وجَهِله مَن جَهِله. يقولُ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: «أَلَا أَدُلُّكم على دائِكم ودوائِكم، أَلَا إنَّ داءَكم الذُّنوبُ، ودواءَكم الاستِغفارُ» [أخرجه البيهقيُّ في «شُعَب الإيمانِ» 15/180، عن أنسٍ رضي اللهُ عنه].

فالاستغفارُ دواءٌ ناجعٌ، وعلاجٌ نافعٌ، يَقشَعُ سُحُبَ الهمومِ، ويُزِيلُ غيمَ الغمومِ، وهو البلسمُ الشَّافي، والدَّواءُ الكافي، وهو مُكفِّرٌ للذُّنوبِ والسَّيِّئاتِ، وماحٍ للمعاصي والخطيئاتِ.

سأل الرَّبيعُ بنُ خُثَيمٍ أصحابَه ذاتَ مرّةٍ: (ما الدَّاءُ، وما الدَّواءُ، وما الشِّفاءُ؟) ثُمَّ قال: (الدَّاءُ الذُّنوبُ، والدَّواءُ الاستغفارُ، والشِّفاءُ أن تتوبَ فلا تعودَ) [«الزُّهد» لأحمدَ بنِ حنبلٍ ص70].

إنَّ المُداوَمةَ على الاستغفارِ لها تأثيرٌ عجيبٌ -بإذنِ اللهِ تعالى- في دفعِ الكروبِ، ومحوِ الذُّنوبِ، ونيلِ المطلوبِ، وإخراجِ الغِلِّ من القلوبِ، وتفريجِ الهمومِ، وإزالةِ الغمومِ، وشفاءِ الأسقامِ، وذهابِ الآلامِ، وحلولِ البركةِ، والقناعةِ بالرِّزقِ، والعاقبةِ الحميدةِ، وصلاحِ النَّفسِ والأهلِ والذُّرِّيّةِ، وإنزالِ الغيثِ، وكثرةِ المالِ والولدِ، وكسبِ الحسناتِ، وغيرِ ذلك من الفوائد الجليلاتِ.

جاء رجلٌ إلى الحسنِ البصريِّ -رحمه اللهُ تعالى- يشكو إليه الجدبَ والقحطَ، فأجابه قائلًا: (استَغفِرِ اللهَ)، ثُمَّ جاءه رجلٌ آخَرُ يشكو الحاجةَ والفقرَ فقال له: (استَغفِرِ اللهَ)، ثُمَّ جاءه ثالثٌ يشكو قِلّةَ الولدِ فقال له: (استَغفِرِ اللهَ). فعَجِب القومُ من إجابتِه؛ حاجاتٌ مُختلِفةٌ ودواءٌ واحدٌ! فأَرشَدهم بفقهِه الرَّبَّانيِّ، وفهمِه القرآنيِّ تاليًا قولَ الحقِّ تَبارَك وتَعالَى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: 10-12] [«تفسير القُرطبيِّ» 18/302].

قال سفيانُ الثَّوريُّ -رحمه اللهُ تعالى-: دخلتُ على جعفرِ بنِ مُحمَّدٍ، فقال: (إذا كَثُرت همومُكَ فأَكثِرْ مِن «لا حولَ ولا قُوّةَ إلَّا باللهِ»، وإذا استَبْطأتَ الرِّزقَ فأَكثِرْ من الاستغفارِ، وإذا تَدارَكَت عليكَ النِّعمُ فأَكثِرْ حمدًا للهِ) [«التَّرغيب في فضائلِ الأعمالِ وثواب ذلك» لابنِ شاهين 1/381].

إنَّ للاستغفارِ أثرًا عظيمًا في محوِ الذُّنوبِ، فهما بلغت كثرتُها، وعَظُم عَدُّها؛ فإنَّ الاستغفارَ هو لها، وقد قال رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: «والَّذِي نَفْسِي بِيَدِه، لَوْ أَخطَأْتُم حتَّى تَملأَ خَطاياكُم ما بينَ السَّماءِ والأرضِ، ثُمَّ استَغفَرْتُمُ اللهَ؛ لَغَفَرَ لَكُم. والَّذِي نَفْسُ مُحمَّدٍ بِيَدِه، لَوْ لَم تُخطِئُوا لَجاءَ اللهُ -عزَّ وجلَّ- بِقَومٍ يُخطِئُونَ، ثُمَّ يَستَغفِرُونَ اللهَ، فيَغفِرُ لَهُم» [أخرجه الإمامُ أحمدُ 3/238، والحاكمُ في «المُستدرَكِ» 4/274، والطَّبرانيُّ في «الدُّعاءِ» (1805)، عن أنسِ بنِ مالكٍ رضي اللهُ عنه، وصحَّحه الألبانيُّ في «السِّلسلةِ الصَّحيحةِ» (1951)].

وعنه أيضًا قال: سمعتُ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يقولُ: «قالَ اللهُ: يا ابنَ آدمَ، إنَّكَ ما دَعَوْتَنِي ورَجَوْتَنِي؛ غَفَرتُ لَكَ على ما كانَ فِيكَ ولا أُبالِي. يا ابنَ آدمَ، لو بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنانَ السَّماءِ ثُمَّ اسْتَغفَرتَنِي؛ غَفَرتُ لَكَ ولا أُبالِي. يا ابنَ آدمَ، إِنَّكَ لو أَتَيْتَنِي بِقُرابِ الأرضِ خَطايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لا تُشرِكُ بي شيئًا؛ لَأَتَيتُكَ بِقُرابِها مَغفِرةً» [أخرجه التِّرمذيُّ (3540)، وحسَّنه الألبانيُّ في «السِّلسلةِ الصَّحيحةِ» (127)].

وقال عليٌّ -رضي اللهُ عنه-: حَدَّثني أبو بكرٍ -رضي اللهُ عنه-، وصدق أبو بكرٍ، أنه قال: سمعتُ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يقولُ: «ما مِن عَبْدٍ يُذنِبُ ذَنْبًا، فيُحسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ يَقُومُ فيُصلِّي رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَستَغفِرُ اللهَ = إِلَّا غَفَرَ اللهُ لَهُ». ثُمَّ قرأ هذه الآية: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135]» [أخرجه أحمدُ 1/223، وأبو داودَ (1521)، والتِّرمذيُّ (406)، وابنُ ماجَهْ (1395)، وصحَّحه الألبانيُّ 2/125].

قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميّةَ -رحمه اللهُ تعالى-: (فمَن أَحَسَّ بتقصيرٍ في قولِه، أو عملِه، أو حالِه، أو رزقِه، أو تَقلُّبِ قَلْبٍ = فعليه بالتَّوحيدِ والاستغفارِ؛ ففيهما الشِّفاءُ إذا كانا بصدقٍ وإخلاصٍ) [«مجموع الفتاوى» 11/698].

الاستغفارُ يجلبُ السُّرورَ في الدُّنيا والآخرةِ، ففي الدُّنيا يُذهِبُ اللهُ به الهمَّ، ويشرحُ به الصَّدرَ. يقولُ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: «مَن أَكثَرَ مِن الاستِغفارِ؛ جَعَلَ اللهُ له مِن كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، ومِن كُلِّ ضِيقٍ مَخرَجًا، ورَزَقَهُ مِن حيثُ لا يَحتسِبُ» [أخرجه الإمامُ أحمدُ 1/248، عن ابنِ عبّاسٍ رضي اللهُ عنهما. وفيه ضعفٌ].

وفي الآخرةِ فإنَّه يجعلُ العبدَ في سرورٍ وحبورٍ دائمٍ، يقولُ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: «مَن أَحَبَّ أن تَسُرَّه صحيفتُه؛ فَلْيُكثِرْ فيها من الاستغفارِ» [أخرجه الطَّبرانيُّ في «الأوسط» (939)، والبيهقيُّ في «الشُّعَبِ» 1/440، من حديثِ ابنِ الزُّبيرِ، وصحَّحه الألبانيُّ في «السِّلسلةِ الصَّحيحةِ» (2299)].

قال عبدُ العزيزِ بنُ عمرَ بنِ عبدِ العزيزِ: رأيتُ أبي في النَّومِ بعدَ موتِه كأنَّه في حديقةٍ، فرَفَع إليَّ تُفَّاحاتٍ، فأَوَّلتُهُنَّ بالوَلَدِ، فقلتُ: أيُّ الأعمالِ وجدتَ أفضلَ؟ قال: (الاستغفارُ يا بُنَيَّ) [«المنامات» لابنِ أبي الدُّنيا ص29].

لقد كان الاستغفارُ ديدنَه -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- في كُلِّ أحيانِه وأوقاتِه، وكان يحافظُ عليه في كُلِّ أحيانِه ومجالسِه، فما كان يتركُه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-، بل كان لا يفترُ لسانُه من الذِّكرِ والاستغفارِ، وكان يُعلِّمُ أصحابَه صِيَغَه وأوقاتِه، ويُبيِّنُ أحوالَه وأزمانَه.

أَنواعُ الاسْتِغْفَارِ:

فيما يلي سآتي على صِيَغِ الاستِغْفَارِ، وأحوالَه، وأماكنَه، وأزمانَه؛ فصِيَغُ الاستغفارِ الواردةُ في الكتابِ والسُّنَّةِ تأتي على أنواعٍ ثلاثةٍ:

النَّوعُ الأوَّلُ: صِيَغٌ مُقيَّدةٌ بحالٍ، أو زمانٍ، أو مكانٍ مُعيَّنٍ.

النَّوعُ الثَّاني: غيرُ مُقيَّدٍ بصيغةٍ، لكنَّه مُقيَّدٌ بحالٍ، أو زمانٍ، أو مكانٍ مُعيَّنٍ، أو عددٍ.

النَّوعُ الثَّالثُ: صيغٌ مُطلَقةٌ غيرُ مُقيَّدةٍ بحالٍ، أو زمانٍ، أو مكانٍ مُعيَّنٍ.

وبيانُ هذه الأنواعِ فيما يلي:

النَّوعُ الأوَّلُ: صيغٌ مُقيَّدةٌ بحالٍ، أو زمانٍ، أو مكانٍ مُعيَّنٍ، فيكونُ ذِكرُها في هذا الحالِ أو الزَّمانِ أو المكانِ الَّذي جاء النَّصُّ بتقييدِه به - مُستحَبًّا على التَّأكيدِ، ومِن هذا النَّوعِ ما يلي:

1- سَيِّدُ الاستغفارِ، فقد كان النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يقولُه حينَ يُصبِحُ، وحينَ يُمسِي؛ فعن شَدَّادِ بنِ أَوْسٍ -رضي اللهُ عنه- قال: قال رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: «سَيِّدُ الاستِغْفارِ أن تقولَ: اللَّهُمَّ أنتَ رَبِّي، لا إلهَ إلَّا أنتَ، خَلَقْتَنِي وأنا عَبدُكَ، وأنا على عَهْدِكَ ووَعْدِكَ ما استَطَعتُ، أَعُوذُ بِكَ مِن شَرِّ ما صَنَعتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمتِكَ عَلَيَّ وأَبُوءُ بِذَنْبِي؛ فاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لا يَغفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ». ثُمَّ قالَ: «مَن قالَها مِن النَّهارِ مُوقِنًا بِها، فماتَ مِن يَومِه قَبلَ أن يُمسِيَ؛ فَهُوَ مِن أهلِ الجَنَّةِ، ومَن قالَها مِن اللَّيلِ وهو مُوقِنٌ بِها، فماتَ قبلَ أن يُصبِحَ، فهو مِن أهلِ الجَنَّةِ» [أخرجه البخاريُّ (5947)].

2- عندَ وقوعِ العبدِ في الذَّنبِ، فيقولُ: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي)؛ فعن أبي هُريرةَ رضي اللهُ عنه، عن النَّبيِّ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- فيما يَحكِي عن رَبِّهِ -عزَّ وجلَّ- قالَ: «أَذنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا فقالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ذَنْبِي. فقالَ -تَبارَكَ وتَعالَى: أَذنَبَ عبدي ذَنبًا، فعَلِمَ أنَّ له رَبًّا يَغفِرُ الذَّنْبَ ويأخذُ بالذَّنْبِ. ثُمَّ عادَ فأَذنَبَ، فقالَ: أَيْ رَبِّ، اغْفِرْ لي ذَنْبِي. فقالَ -تَبارَكَ وتَعالَى: عَبْدِي أَذنَبَ ذَنْبًا، فعَلِمَ أنَّ له رَبًّا يَغفِرُ الذَّنْبَ ويأخذُ بالذَّنْبِ. ثُمَّ عادَ فأَذنَبَ فقالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لي ذَنْبِي. فقالَ -تَبارَكَ وتَعالَى-: أَذنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فعَلِمَ أنَّ له رَبًّا يَغفِرُ الذَّنْبَ ويأخذُ بالذَّنْبِ، وَاعْمَلْ ما شِئتَ فقد غَفَرتُ لَكَ» [أخرجه مسلمٌ (7162)].

3- وكذلك أيضًا يقولُ بعدَ الوقوعِ في الذَّنبِ: (أَستغفِرُ اللهَ وأَتُوبُ إليه)؛ فعن أبي أُمَيّةَ المَخْزُوميِّ، أنَّ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- أُتِيَ بِلِصٍّ اعْتَرفَ اعتِرافًا، ولم يُوجَدْ مَعَهُ مَتاعٌ، فقالَ له رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: «ما إِخالُكَ سَرَقْتَ». قالَ: بَلَى. قالَ: «اذْهَبُوا بِهِ فَاقْطَعُوهُ، ثُمَّ جِيئُوا به». فقَطَعُوهُ ثُمَّ جاؤوا به، فقالَ له: «قُلْ: أَستَغفِرُ اللهَ وأَتُوبُ إليه». فقالَ: أَستَغفِرُ اللهَ وأَتُوبُ إليه. قالَ: «اللَّهُمَّ تُبْ عليه» [أخرجه أحمدُ 5/293، وأبو داودَ (4382)، والنَّسائيُّ (4877)، وابنُ ماجَهْ (2597). وهو حديثٌ صحيحٌ].

4- عندَ دخولِ المسجدِ والخروجِ منه؛ فعن فاطمةَ الكُبرَى قالتْ: كانَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- إذا دخل المسجدَ؛ صلَّى على مُحمَّدٍ وسَلَّمَ، وقالَ: «رَبِّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، وافْتَحْ لي أبوابَ رحمتِكَ». وإذا خرج؛ صَلَّى على مُحمَّدٍ وسَلَّمَ، وقالَ: «رَبِّ اغْفِرْ لي ذُنُوبِي، وافْتَحْ لي أبوابَ فَضْلِكَ» [أخرجه التِّرمذيُّ (314)، وهو حديثٌ صحيحٌ].

5- عندَ ركوبِ الدَّابَّةِ؛ فعن عليِّ بنِ ربيعةَ قال: شَهِدتُ عليًّا أُتِيَ بدابَّةٍ لِيَركَبَها، فلمَّا وضع رِجلَه في الرِّكابِ قالَ: (بِسْمِ اللهِ) ثلاثًا، فلَمَّا استَوى على ظَهرِها قالَ: (الحمدُ للهِ)، ثُمَّ قالَ: (سُبْحانَ الَّذى سَخَّرَ لنا هذا وما كُنَّا له مُقرِنِينَ، وإِنَّا إلى رَبِّنا لَمُنقلِبُونَ)، ثُمَّ قالَ: (الحمدُ للهِ) ثلاثًا، و(اللهُ أَكْبَرُ) ثلاثًا، (سُبْحانَكَ إنِّي قد ظَلَمتُ نَفْسي؛ فاغْفِرْ لي فإِنَّهُ لا يَغفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أنتَ)، ثُمَّ ضَحِكَ، فقُلتُ: مِن أَيِّ شيءٍ ضَحِكتَ، يا أميرَ المُؤمِنينَ؟! قال: (رَأَيْتُ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- صَنَعَ كما صنعتُ ثُمَّ ضَحِكَ، فقُلتُ: مِن أيِّ شيءٍ ضَحِكتَ، يا رسولَ اللهِ؟! قالَ: « إنَّ رَبَّكَ لَيَعجَبُ مِن عَبْدِهِ إذا قالَ: رَبِّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي إِنَّهُ لا يَغفِرُ الذُّنُوبَ غَيرُكَ» [أخرجه أحمدُ 1/97، وأبو داودَ (2604)، والتِّرمذيُّ (3446)، وهو حديثٌ صحيحٌ].

6- في دُعاءِ الاستفتاحِ؛ فعن عليِّ بنِ أبي طالبٍ -رضي اللهُ عنه-، عن رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- أنَّهُ كانَ إذا قامَ إلى الصَّلاةِ قالَ: «وَجَّهتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ والأرضَ حَنِيفًا وما أنا مِن المُشرِكِينَ، إنَّ صَلاتِي ونُسُكي ومَحْيايَ ومَماتِي للهِ رَبِّ العالَمِينَ لا شَرِيكَ له وبِذَلِكَ أُمِرتُ وأنا مِن المُسلِمِينَ، اللَّهُمَّ أنتَ المَلِكُ لا إلهَ إلَّا أنتَ؛ أنتَ ربِّي وأنا عبدُكَ، ظَلَمتُ نَفْسِي، واعْتَرفتُ بِذَنْبِي؛ فاغْفِرْ لي ذُنُوبِي جميعًا إنَّهُ لا يَغفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أنتَ، واهْدِنِي لأَحْسَنِ الأَخْلاَقِ لا يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إِلَّا أنتَ، واصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَها لا يَصرِفُ عَنِّي سَيِّئَها إِلَّا أنتَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ والخَيرُ كُلُّهُ في يَدَيْكَ، والشَّرُّ ليسَ إليكَ، أنا بِكَ وإِليكَ، تَبارَكتَ وتَعالَيتَ، أَستَغفِرُكَ وأَتُوبُ إليكَ» [أخرجه مسلمٌ (1848)].

7- عندَ ختمِ سُورةِ الفاتحةِ؛ فعن وائلِ بنِ حُجْرٍ -رضي اللهُ عنه-، أنَّهُ سَمِع رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- حِينَ قالَ: {غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ولا الضَّالِّينَ}، قالَ: «رَبِّ اغْفِرْ لِي، آمِينَ» [أخرجه البيهقيُّ 2/58، والطَّبرانيُّ في «الكبيرِ» 15/419. وهو حديثٌ ضعيفٌ، ولا يصحُّ العملُ به، وإنَّما أوردتُه لبيانِ ضعفِه].

8- عندَ الرُّكوعِ؛ فعن عائشةَ -رضي اللهُ عنها- أَنَّ النَّبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- كانَ يُكثِرُ أن يقولَ في رُكُوعِه: «سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وبِحَمدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي»، يَتأَوَّلُ القُرآنَ. [مُتَّفَقٌ عليه].

9- بينَ السَّجدتينِ؛ فعن حُذَيفةَ -رضي اللهُ عنه- أَنَّهُ صلَّى معَ رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- ذاتَ ليلةٍ، فسَمِعَهُ يقولُ بينَ السَّجدتينِ: «رَبِّ اغْفِرْ لي، رَبِّ اغْفِرْ لي» [أخرجه أحمدُ 5/398، وأبو داودَ (874)، والنَّسائيُّ (1069)، وابنُ ماجَهْ (897)، وهو حديثٌ صحيحٌ].

10- بينَ السَّجدتينِ في صلاةِ اللَّيلِ؛ فعن ابنِ عبّاسٍ -رضي اللهُ عنهما- أنَّه قال: كان رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يقولُ بينَ السَّجدتَينِ في صلاةِ اللَّيلِ: «رَبِّ اغْفِرْ لي، وارْحَمْنِي، واجْبُرنِي، وارْزُقْني، وارْفَعْني» [أخرجه أحمدُ 1/371، وابنُ ماجه (898)، وهو حديثٌ صحيحٌ].

11- في حالِ السُّجودِ؛ فعن عائشةَ -رضي اللهُ عنها- قالتْ: فَقدتُ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-، فظَنَنتُ أنَّهُ أَتَى بعضَ جَوَارِيهِ، فطَلَبتُهُ، فإذا هو ساجدٌ يقولُ: «رَبِّ اغْفِرْ لي ما أَسرَرتُ وما أَعلَنتُ».

12- في التَّشهُّدِ الأخيرِ من الصَّلاةِ؛ فعن عليٍّ -رضي اللهُ عنه-، عن رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- أنَّه كانَ إذا قامَ إلى الصَّلاةِ قالَ: «وَجَّهتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ والأرضَ حَنِيفًا، وما أنا مِن المُشرِكِينَ ...» ثُمَّ يكونُ مِن آخِرِ ما يقولُ بينَ التَّشهُّدِ والتَّسليمِ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ما قَدَّمتُ وما أَخَّرتُ، وما أَسْرَرتُ وما أَعْلَنتُ، وما أَسْرَفتُ، وما أنتَ أَعلَمُ به مِنِّي، أنتَ المُقدِّمُ وأنتَ المُؤخِّرُ، لا إلهَ إلَّا أنتَ» [أخرجه مسلمٌ (1848)].

13- في الصَّلاةِ؛ فعن أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ -رضي اللهُ عنه- أنَّه قال لرسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: عَلِّمْني دُعاءً أَدعُو به في صلاتي. قالَ: «قُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمتُ نَفْسِي ظُلْمًا كثيرًا، ولا يَغفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أنتَ؛ فاغْفِرْ لي مغفرةً مِن عِندِكَ، وارْحَمْني إنَّكَ أنتَ الغفورُ الرَّحيمُ» [أخرجه البخاريُّ (834)]، فيقولُه في مواضعِ الدُّعاءِ من الصَّلاةِ.

14- وفي الصَّلاةِ أيضًا؛ فعن عَجُوزٍ مِن بني نُمَيرٍ، أنَّها سَمِعتِ النَّبِيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- وهو يُصلِّي بالنَّاسِ ووَجْهُهُ إلى البيتِ، قالتْ: فحَفِظتُ منه: «رَبِّ اغْفِرْ لي خَطَايَايَ وجَهْلِي» [أخرجه أحمدُ 5/270، وهو حديثٌ صحيحٌ لغيرِه].

15- إذا انصرَف من صلاتِه؛ فعن ثَوْبانَ -رضي اللهُ عنه- قال: كان رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- إذا انصَرفَ مِن صلاتِه اسْتَغفَرَ ثلاثًا. قال الوليدُ -أحدُ رُواةِ الحديثِ-: فقُلتُ للأوزاعيِّ: كَيْفَ الاستِغْفارُ؟ قالَ: تقولُ: (أَستَغفِرُ اللهَ، أَستَغفِرُ اللهَ، ...) [أخرجه مسلمٌ (1362)].

16- أن يقولَ في الصَّلاةِ مِئةَ مرّةٍ: (رَبِّ اغْفِرْ لي -أو: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي-، وتُبْ عَلَىَّ؛ إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الغفورُ)؛ فعن زاذانَ، عن رجلٍ مِن أصحابِ النَّبِيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- مِن الأنصارِ، أنَّه سَمِعَ النَّبِيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- فى صلاةٍ وهو يقولُ: «رَبِّ اغْفِرْ لي -أو قالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي-، وتُبْ عَلَيَّ؛ إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الغفورُ»، مِئَةَ مَرَّةٍ. [أخرجه أحمدُ 5/371، وابنُ أبي شيبةَ 10/234. والحديثُ إسنادُه صحيحٌ].

17- عندَما يأوِي المسلمُ إلى فِراشِه؛ فعن أبي سعيدٍ الخُدريِّ -رضي اللهُ عنه-، عن النَّبِيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- أنَّه قال: «مَن قالَ حِينَ يَأْوِي إلى فِراشِه: أَستَغفِرُ اللهَ العظيمَ الَّذِي لا إلهَ إلَّا هو الحيَّ القيُّومَ وأَتُوبُ إليه. ثلاثَ مَرَّاتٍ؛ غفر اللهُ ذُنُوبَهُ وإن كانت مِثلَ زَبَدِ البحرِ، وإن كانت عَدَدَ وَرَقِ الشَّجَرِ، وإن كانت عَدَدَ رَمْلِ عَالِجٍ، وإن كانت عَدَدَ أيَّامِ الدُّنيا» [أخرجه البيهقيُّ (3397)، وهو حديثٌ ضعيفٌ، فلا يصحُّ العملُ به في هذا الموضعِ، وإنَّما أوردتُه لبيانِ ضعفِه، وإمكانيّةِ العملِ به عندَ الاستغفارِ المُطلَقِ].

18- عندَما يستيقظُ من اللَّيلِ؛ فعن عائشةَ -رضي اللهُ عنها- أنَّ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- كانَ إذا استَيقَظَ مِن اللَّيلِ قالَ: «لا إلهَ إلَّا أنتَ سُبْحانَكَ، اللَّهُمَّ أَسْتَغْفِرُكَ لِذَنْبِي، وأَسْأَلُكَ رَحْمتَكَ، اللَّهُمَّ زِدْنِي عِلْمًا، ولا تُزِغْ قَلْبِي بعدَ إِذْ هَدَيْتَنِي، وَهَبْ لي مِن لَدُنْكَ رَحْمةً إِنَّكَ أنتَ الوهَّابُ» [أخرجه أبو داودَ (5063)، وهو حديثٌ ضعيفٌ، فلا يصحُّ العملُ به في هذا الموضعِ، وإنَّما أوردتُه لبيانِ ضعفِه، وإمكانيّةِ العملِ به عندَ الاستغفارِ المُطلَقِ].

19- عندَما يستيقظُ الإنسانُ من اللَّيلِ، وينتبهُ من نومِه فجأةً، فيُسَنُّ له الدُّعاءُ والاستغفارُ؛ فعن عُبادةَ بنِ الصَّامتِ -رضي اللهُ عنه- قال: قال رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: «مَنْ تَعَارَّ مِن اللَّيلِ فقالَ: لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، له المُلكُ ولهُ الحمدُ، وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ، سُبْحانَ اللهِ، والحمدُ للهِ، ولا إلهَ إلَّا اللهُ، واللهُ أكبرُ، ولا حولَ ولا قُوَّةَ إلَّا باللهِ العليِّ العظيمِ. ثُمَّ دَعَا: رَبِّ اغْفِرْ لي. غُفِرَ لَهُ». قالَ الوليدُ: أو قال: «دَعَا اسْتُجِيبَ لَهُ، فإنْ قامَ فتَوضَّأَ ثُمَّ صلَّى قُبِلَتْ صَلاتُه» [أخرجه البخاريُّ (5947)، وأبو داودَ (5062) واللَّفظُ له].

20- الاستغفارُ مِئةَ مَرّةٍ عندَ الجلوسِ في المجلسِ؛ فعن ابنِ عمرَ -رضي اللهُ عنهما- قال: إنْ كُنَّا لَنَعُدُّ لرسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- في المجلسِ الواحدِ مِئةَ مرّةٍ: «رَبِّ اغْفِرْ لي، وتُبْ عليَّ؛ إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحيمُ»، وفي روايةٍ: «إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الغفورُ»، مِئةَ مرّةٍ. [أخرجه أحمدُ 2/67، وأبو داودَ (1518)، وهو حديثٌ صحيحٌ].

21- في ختامِ المجلسِ عامّةً؛ فعن أبي بَرْزةَ الأَسْلَميِّ -رضي اللهُ عنه- قال: كان رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يقولُ بِأَخَرةٍ إذا أراد أن يَقُومَ مِن المجلسِ: «سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وبِحَمدِكَ، أَشْهَدُ ألَّا إلهَ إِلَّا أنتَ، أَسْتَغفِرُكَ وأتوبُ إليكَ». فقالَ رجلٌ: يا رسولَ اللهِ، إنَّكَ لَتَقُولُ قولًا مَا كنتَ تقولُه فيما مَضَى. قال: «كَفَّارةٌ لِمَا يكونُ في المجلسِ» [أخرجه أحمدُ 4/420، وأبو داودَ (4859)، وهو حديثٌ صحيحٌ].

وعن أبي هريرةَ -رضي اللهُ عنه- قال: قال رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: «مَن جَلَسَ في مجلسٍ، فكَثُرَ فيه لَغَطُهُ، فقالَ قبلَ أن يقومَ مِن مجلسِه ذلك: سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وبِحَمدِكَ، أَشْهَدُ ألَّا إلهَ إلَّا أنتَ، أَسْتَغفِرُكَ وأتوبُ إليكَ. إلَّا غُفِرَ له ما كانَ في مجلسِه ذلك» [أخرجه التِّرمذيُّ (3433)، وهو حديثٌ صحيحٌ].

22- عندَ الخروجِ من الخلاءِ؛ فعن عائشةَ -رضي اللهُ عنها- أنَّ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- كانَ إذا خرج مِن الغائطِ قالَ: «غُفْرانَكَ» [أخرجه أحمدُ 6/155، وأبو داودَ (30)، والتِّرمذيُّ (7)، وابنُ ماجه (300)، وهو حديثٌ صحيحٌ].


النَّوعُ الثَّاني: غيرُ مُقيَّدٍ بصِيغةٍ، لكنَّه مُقيَّدٌ بحالٍ، أو زمنٍ، أو مكانٍ مُعيَّنٍ، أو عددٍ؛ فالمشروعُ فيه الاستغفارُ بأيِّ صيغةٍ من صيغِ الاستغفارِ، ومنه ما يلي:

1- الاستغفارُ في اليومِ أكثرَ من سبعينَ مرّةً؛ فعن أبي هريرةَ -رضي اللهُ عنه- قال: سمعتُ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يقولُ: «واللهِ إنِّي لأَسْتَغفِرُ اللهَ وأَتُوبُ إليه فى اليومِ أكثرَ مِن سبعينَ مرّةً» [أخرجه البخاريُّ (6307)].

2- الاستغفارُ مِئةً عندما يشعرُ العبدُ بالغفلةِ؛ فعن أبي بُرْدةَ، عن الأَغَرِّ -أَغَرِّ مُزَيْنةَ- قال: سمعتُ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يقولُ: «إنَّه لَيُغانُ على قَلْبِي حتَّى أَسْتَغفِرَ اللهَ مِئةَ مرّةٍ» [أخرجه مسلمٌ (7033)].

3- الاستغفارُ ثلاثًا؛ فعن ابنِ مسعودٍ -رضي اللهُ عنه- أنَّ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- كانَ يُعجِبُه أن يدعوَ ثلاثًا، ويَستَغفِرَ ثلاثًا. [أخرجه أحمدُ 1/394، وأبو داودَ (1526)، وهو حديثٌ ضعيفٌ].

4- عندَ السَّحَرِ؛ يقولُ اللهُ تعالى: {وبِالأَسْحارِ هُم يَستَغفِرُونَ} [الذَّارِيات: 18]، وعن أبي هُريرةَ -رضي اللهُ عنه- أنَّ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- قالَ: «يَنزِلُ ربُّنا -تَبارَكَ وتَعالَى- كُلَّ ليلةٍ إلى السَّماءِ الدُّنيا حِينَ يَبقَى ثُلُثُ اللَّيلِ الآخِرُ، يقولُ: مَن يَدعُونِي فأَسْتَجِيبَ له، مَن يَسأَلُنِي فأُعْطِيَهُ، مَن يَستَغفِرُنِي فأَغْفِرَ له» [مُتّفَقٌ عليه].

5- عندَ إرادةِ الثَّباتِ على دينِ اللهِ - عزَّ وجلَّ -؛ يقولُ اللهُ سبحانه: {فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ} [سورة فُصِّلت: 6]، فلازمُ الاستقامةِ على أمرِ اللهِ مُلازمَةُ الاستغفارِ للهِ، فإنَّ الاستغفارَ سببٌ من أسبابِ الثَّباتِ على الاستقامةِ.

6- بعدَ إفاضةِ الحاجِّ من عرفاتٍ؛ يقولُ اللهُ تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِن حيثُ أَفاضَ النَّاسُ واسْتَغفِرُوا اللهَ إنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 199].

7- عندَ طلبِ نزولِ الغيثِ؛ يقولُ اللهُ تعالى على لسانِ هُودٍ عليه السَّلامُ: {ويَا قَومِ اسْتَغفِرُوا رَبَّكُم ثُمَّ تُوبُوا إليهِ يُرسِلِ السَّماءَ عَلَيكُم مِدْرارًا ويَزِدْكُم قُوَّةً إلى قُوَّتِكُم ولا تَتوَلَّوْا مُجرِمِينَ} [هود: 52]؛ وقال تعالى على لسانِ نُوحٍ عليه السَّلامُ: {فقُلتُ اسْتَغفِرُوا رَبَّكُم إنَّهُ كانَ غَفَّارًا * يُرسِلِ السَّماءَ عَلَيكُم مِدْرارًا} [نوح: 10-11].

8- عندَ طلبِ الولدِ، وقضاءِ الدُّيونِ، وسَعةِ الرِّزقِ من مالٍ وجِنانٍ؛ يقولُ اللهُ تعالى على لسانِ نوحٍ عليه السَّلامُ: {فقُلتُ اسْتَغفِرُوا رَبَّكُم إنَّهُ كانَ غَفَّارًا * يُرسِلِ السَّماءَ عَلَيكُم مِدْرارًا * ويُمدِدْكُم بِأَمْوالٍ وبَنِينَ ويَجعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ ويَجعَلْ لَكُمْ أَنْهارًا} [نوح: 10-12]، ورُوِي عنه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- أنَّه قال: «مَن أَكثَرَ مِن الاستِغفارِ؛ جَعَلَ اللهُ له مِن كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، ومِن كُلِّ ضِيقٍ مَخرَجًا، ورَزَقَهُ مِن حيثُ لا يَحتَسِبُ» [أخرجه الإمامُ أحمدُ 1/248، عن ابنِ عبّاسٍ رضي اللهُ عنهما. وفيه ضعفٌ].

9- عندَ إرادةِ التَّمتُّعِ في هذه الحياةِ الدُّنيا بالمتاعِ الحسنِ؛ وسعةِ الرِّزقِ، والسَّلامةِ من الاستئصالِ بالعذابِ؛ يقولُ اللهُ تعالى: {وأَنِ اسْتَغفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمتِّعْكُم مَتاعًا حَسَنًا} [هود: 3]، وقال -تعالى- على لسانِ نوحٍ -عليه السَّلامُ- لمَّا أمر قومَه بالاستغفارِ: {وَيَجعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ ويَجعَلْ لَكُمْ أَنْهارًا} [نوح: 12].

10- عندَ التَّوبةِ من الذَّنبِ؛ يقولُ اللهُ تعالى: {والَّذِينَ إذا فَعَلُوا فَاحِشةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ ومَن يَغفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا اللهُ ولم يُصِرُّوا على ما فَعَلُوا وهُمْ يَعلَمُونَ} [آل عمران: 135]، وقال تعالى: {ومَن يَعمَلْ سُوءًا أو يَظلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَستَغفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النِّساء: 110]، وقال تعالى على لسانِ نوحٍ عليه السَّلامُ: {فقُلتُ اسْتَغفِرُوا رَبَّكُم إنَّهُ كانَ غَفَّارًا} [نوح: 10]، ويقولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لو لم تُذنِبُوا؛ لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ، ولَجاءَ بِقَوْمٍ يُذنِبُونَ فيَستَغفِرُونَ اللهَ، فيَغفِرُ لهم» [أخرجه مسلمٌ (7141) عن أبي هُريرةَ رضي اللهُ عنه]، وعن عليٍّ -رضي اللهُ عنه- قال: حدَّثَني أبو بكرٍ -رضي اللهُ عنه، وصدق أبو بكرٍ، أنَّه قال: سمعتُ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يقولُ: «ما مِن عَبْدٍ يُذنِبُ ذَنْبًا، فيُحسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ يَقُومُ فيُصلِّي رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَستَغفِرُ اللهَ = إِلَّا غَفَرَ اللهُ لَهُ». ثُمَّ قرأ هذه الآية: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135]» [أخرجه أحمدُ 1/223، وأبو داودَ (1521)، والتِّرمذيُّ (406)، وابنُ ماجه (1395)، وصحَّحه الألبانيُّ 2/125].

11- عندَ إرادةِ الأمنِ من العذابِ؛ يقولُ اللهُ تعالى: {ومَا كانَ اللهُ مُعذِّبَهُمْ وهُمْ يَستَغفِرُونَ} [الأنفال: 33].

12- مَن كان به حِدّةٌ في الطَّبعِ، وغِلظٌ في القولِ، أو تقصيرٌ في حقِّ الأهلِ والقرابةِ؛ فعن حُذَيفةَ -رضي اللهُ عنه- قال: كانَ في لِسانِي ذَرَبٌ على أَهْلِي -أي حِدّةٌ وشِدّةٌ-، ولم يَكُنْ يَعدُوهُم إلى غيرِهم، فسَأَلْتُ النَّبِيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-، فقالَ: «أَيْنَ أنتَ عن الاستِغفارِ؟ إنِّي لأَستَغفِرُ اللهَ كُلَّ يومٍ مِئةَ مرّةٍ» [أخرجه الدَّارميُّ في «مُسنَدِه» (2765)، والبيهقيُّ في «الدَّعواتِ» (166، 167).

يقولُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميّةَ -رحمه اللهُ تعالى-: (إذا وجد العبدُ تقصيرًا في حقوقِ القرابةِ، والأهلِ، والأولادِ، والجيرانِ، والإخوانِ؛ فعليه بالدُّعاءِ لهم، والاستغفارِ) [«مجموع الفتاوى» 11/698].

13- الاستغفارُ المُطلَقُ في كُلِّ زمانٍ ومكانٍ، وعلى كُلِّ حالٍ يُناسِبُ الاستغفارَ؛ يقولُ اللهُ تعالى: {واسْتَغفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إليه إنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ} [هود: 90]، ويقول سبحانه: {واسْتَغفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المُزَّمِّل: 20].


النَّوعُ الثَّالثُ: صيغٌ مُطلَقةٌ غيرُ مُقيَّدةٍ بحالٍ، أو زمانٍ، أو مكانٍ مُعيَّنٍ. ومن هذه الصِّيغِ ما يلي:

1- عن أبي موسى الأشعري -رضي اللهُ عنه- عن النَّبِيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- أنَّهُ كانَ يدعو بهذا الدُّعاءِ: «رَبِّ اغْفِرْ لي خَطِيئَتِي، وجَهْلِي، وإِسْرافي في أَمْرِي كُلِّهِ، ومَا أنتَ أَعلَمُ به مِنِّي. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي خَطَايَايَ وعَمْدِي وجَهْلِي وهَزْلِي، وكُلُّ ذلكَ عِنْدِي. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ما قَدَّمتُ وما أَخَّرتُ، وما أَسْرَرتُ وما أَعْلَنتُ، أنتَ المُقدِّمُ، وأنتَ المُؤخِّرُ، وأنتَ على كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ» [مُتّفَقٌ عليه].

2- عن زيدٍ مَولَى النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- قال: سمعتُ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يقولُ: «مَن قالَ: أَسْتَغفِرُ اللهَ الَّذِي لا إلهَ إلَّا هُوَ الحيَّ القيُّومَ وأَتُوبُ إليه. غُفِرَ لَهُ وإِنْ كانَ فَرَّ مِن الزَّحْفِ» [أخرجه أبو داودَ (1519)، والتِّرمذيُّ (3577)، وهو حديثٌ صحيحٌ].

3- عن عائشةَ -رضي اللهُ عنها- قالت: كان رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يُكثِرُ مِن قَولِ: «سُبْحانَ اللهِ وبِحَمدِه، أَستَغفِرُ اللهَ وأَتُوبُ إليه». قالتْ: فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، أراكَ تُكثِرُ من قولِ: سُبْحانَ اللهِ وبِحَمدِه، أَستَغفِرُ اللهَ وأَتُوبُ إليه. فقالَ: «خَبَّرَني رَبِّي أنِّي سأَرَى عَلامةً في أُمَّتِي، فإذا رأيتُها أَكثَرتُ مِن قولِ: سُبْحانَ اللهِ وبِحَمدِه، أَستَغفِرُ اللهَ وأَتُوبُ إليه. فقد رأيتُها: {إذا جاءَ نَصْرُ اللهِ والفَتحُ} فتحُ مكّةَ، {ورَأَيْتَ النَّاسَ يَدخُلُونَ في دِينِ اللهِ أَفْواجًا * فسَبِّحْ بحَمْدِ رَبِّكَ واسْتَغفِرْهُ إنَّهُ كانَ تَوَّابًا}» [أخرجه مسلمٌ (1116)].

4- عن أُمِّ سَلَمةَ -رضي اللهُ عنها- أنَّ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- كان يقولُ: «رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ، وَاهْدِنِي لِلطَّرِيقِ الأَقْوَمِ»، وفي روايةٍ عنها بلفظ: «رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ، وَاهْدِنِي السَّبِيلَ الأَقْوَمَ» [أخرجه أحمدُ 6/303، 315. وهو حديثٌ ضعيفٌ].

وممَّا سبق يتبيّنُ صيغُ الاستغفارِ الواردةُ في الكتابِ والسُّنّةِ، وبيانُ أوقاتِها وأحوالِها وأزمانِها، وبعدَ هذا البيانِ فلِلمُكلَّفِ أن يستغفرَ ربَّه بما ورد تقييدُه بوقتٍ أو مكانٍ أو حالٍ على أنَّه ذِكرٌ مُطلَقٌ، أو استغفارٌ عامٌّ، فهذا لا حرجَ فيه، شريطةَ أن يقصدَ به الاستغفارَ المُطلَقَ لا المُقيَّدَ.


مسألةٌ:

انتشر بينَ النَّاسِ في هذه الأيَّامِ أنَّ بعضَهم يستغفرُ بنِيّةٍ مُعيَّنةٍ، لتحقيقِ أمرٍ ما؛ كمَن يريدُ الرِّزقَ مثلًا فإنَّه يستغفرُ اللهَ بنيّةِ الرِّزقِ، وكذا مَن يريدُ الذُّرِّيّةَ فإنَّه يُكثِرُ من الاستغفارِ بنيّةِ الذُّرِّيّةِ؛ فهل يجوزُ له ذلك؟

فالقولُ في ذلك، واللهُ تعالى أعلمُ:

إنَّ هذا الأمرَ لا بأسَ به؛ فقد جاء في قولِ اللهِ تعالى في سورةِ نبيِّ اللهِ نوحٍ: {فقُلتُ اسْتَغفِرُوا رَبَّكُم إنَّهُ كانَ غَفَّارًا * يُرسِلِ السَّماءَ عَلَيكُم مِدْرارًا * ويُمْدِدْكُمْ بأَمْوالٍ وبَنِينَ ويَجعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ ويَجعَلْ لَكُمْ أَنْهارًا} [نوح: 10-12].

فالآيةُ فيها دلالةٌ على أنَّ الاستغفارَ بنيّةِ الرِّزقِ سواءٌ المطرُ، أو الولدُ، أو حصولُ الخيراتِ، ونحوُه واقعٌ وموعودٌ به، وبهذا أجاب الإمامُ الحسنُ البصريُّ -رحمه اللهُ تعالى- ذلك الرَّجلَ الَّذي جاءه يشكو الجدبَ والقحطَ، فقال له: (استَغفِرِ اللهَ)، ثُمَّ لمَّا جاءه آخرُ يشكو الحاجةَ والفقرَ، قال له: (استَغفِرِ اللهَ)، ثُمَّ جاءه ثالثٌ يشكو قِلّةَ الولدِ، فقال له: (استَغفِرِ اللهَ)، فعَجِب القومُ من إجابتِه؛ حاجاتٌ مختلفةٌ ودواءٌ واحدٌ، فتَلا عليهم قولَ الحقِّ تبارَك وتعالى:{ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: 10-12] [«تفسير القُرطبيِّ» 18/302].

ورُوِي عن النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- أنَّه قال: «مَن أَكثَرَ مِن الاسْتِغفارِ؛ جَعَلَ اللهُ له مِن كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، ومِن كُلِّ ضِيقٍ مَخرَجًا، ورَزَقَهُ مِن حَيْثُ لا يَحتسِبُ» [أخرجه الإمامُ أحمدُ 1/248، عن ابنِ عبّاسٍ رضي اللهُ عنهما. وفيه ضعفٌ].

والمفهومُ من هذه النُّصوصِ وأمثالِها أنَّ الاستغفارَ وسيلةٌ من الوسائلِ الَّتي يمكنُ للعبدِ أن يستعملَها لتحقيقِ مطلوبِه؛ من إنزالِ المطرِ، وتحصيلِ الرِّزقِ، والذُّرِّيّةِ، والقُوّةِ، ومغفرةِ الذُّنوبِ، وتفريجِ الكروبِ، والنَّجاةِ من الهمومِ.

وقد كان شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميّةَ -رحمه اللهُ تعالى- يُكثِرُ من الاستغفارِ إذا أَشكَلتْ عليه مسألةٌ، يقولُ -رحمه الله تعالى-: (إنَّه لَيقِفُ خاطري في المسألةِ والشَّيءِ، أو الحالةِ الَّتي تُشكِلُ عليَّ، فأَستغفِرُ اللهَ تعالى ألفَ مرّةٍ، أو أكثرَ، أو أقلَّ، حتَّى ينشرحَ الصَّدرُ، وينحلَّ إشكالُ ما أَشكَلَ. وأكونُ إذ ذاك في السُّوقِ، أو المسجدِ، أو الدَّربِ، أو المدرسةِ، لا يمنعُني ذلك من الذِّكرِ والاستغفارِ إلى أن أنالَ مطلوبي) [«العقود الدُّرِّيّة في ذكرِ بعضِ مناقبِ شيخِ الإسلامِ ابنِ تيميّة» لابنِ عبدِ الهادي (ص10-11) ط المجمع ت علي العمران].

لكن: هل لِمَن استَغفَر بقصدٍ دنيويٍّ أجرٌ عندَ اللهِ تعالى، أم هو ممَّن استَعجَل الدُّنيا كما قال تعالى: {مَن كانَ يُرِيدُ الحياةَ الدُّنيا وزِينتَها نُوَفِّ إليهم أعمالَهم فيها وهُم فِيها لا يُبخَسُونَ * أُولَـئِكَ الَّذِينَ ليسَ لَهُم في الآخِرةِ إلَّا النَّارُ وحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ} [هود: 15-16]؟

قال الحافظُ ابنُ كثيرٍ -رحمه اللهُ تعالى-: (مَن عَمِل صالحًا التماسَ الدُّنيا، لا يعملُه إلَّا لالتماسِ الدُّنيا؛ فلا يُوفَّى إلَّا في الدُّنيا، والَّذي التَمَس في الدُّنيا من المثوبةِ فهو في الآخرةِ من الخاسرينَ) [«تفسير ابن كثير» 7/422 بتصرُّف. وانظر: «تفسير الطَّبري» 12/347 ت التُّركي].

فهذا يدلُّ على أنَّ الإنسانَ إذا عمل عملًا صالحًا أراد به الدُّنيا فقط، ولم يقصدْ به ثوابَ الآخرةِ؛ فإنَّه لا ثوابَ له في الآخرةِ، وأمَّا إنْ قصد به ثوابَ الآخرةِ فقط، أو ثوابَ الآخرةِ وحصولَ المقصودِ في الدُّنيا؛ فإنَّه يُثابُ على ذلك. واللهُ تعالى أعلمُ.

أسألُ اللهَ أن يجعلَنا له من المُستغفِرينَ المُنِيبينَ، ومن الذَّاكرينَ الشَّاكرينَ؛ إنَّه على كُلِّ شيءٍ قديرٌ، وبالإجابةِ جديرٌ.

واللهُ أعلمُ، وصلَّى اللهُ وسلَّم على نبيِّنا مُحمَّدٍ، وعلى آلِه وصحبِه أجمعينَ.


الأربعاء1436/6/5هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم اهدني وسددني وثبتني

عبادة الاستغفار

الحمد لله الذي جعل الاستغفار للتائبين بابًا، وللمنيبين اعتذاراً، وللعابدين ذكرًا، والصلاة والسلام على خير المرسلين، وإمام المستغفرين، وقدوة الخلائق أجمعين، أعظم من دل على الله، وأرشد إليه، فصلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،

فالاستغفار هو: طلب المغفرة بالمقال والفِعَال؛ وهو لا يَصْلُح إلا لمن آلمته حرقة الذنب، وتاقت نفسه لأعمال البر، وعَلَت هِمْتُهُ لِبُلُوغ مراتب الذكر، فشمر عن ساعدي الجد، وألقى بمفاتيح الغفلة في غيابات الجب.

الاستغفار عبادة ميسورة، يُطيقها الصغيرُ والكبير، والذكرُ والأنثى، ولا يُعيق فاعلها عائق، فيَصْلُح أن يُؤتى بها في الليل والنهار، والسر والإجهار، فلا الجنابة تمنعها، ولا عذر المرأة يحجبها، من أراد فِعْلَها فهي سهلة ميسورة، ومن أراد الإتيان بها فما عليه إلا أن يحرك بها شفتيه ولسانه، وليس إمرارًا على الذهن، أو العقل، أو القلب، وإنما هي ذكرٌ لسانيٌ يطابق القلب.

فعلى المسلم وهو يستغفر بلسانه أن يحرص على حضور قلبه، فأفضل الذكر والاستغفار ما طابق فيه القلب اللسان.

إن الاستغفار ينبغي أن يكون بتذلل وتضرع وانكسار، وخضوع وافتقار، وبعيون دامعة، وقلوب خاشعة، ونفوس إلى رحمة ربها وصفحه وفضله طامعة, وينبغي أن يكون معه حرارة الابتهال، والصدق في السؤال، والتضرع في الحال، والشعور بالفقر إلى المغفرة في الاستقبال.

هذه العبادة يُستحب للعبد أن يكون مُتَّصِلاً بها في الليل والنهار، وأفضل أوقاتها الأسحار، حينما ينـزل الكريم الجبار بعظمته وعزته ورحمته إلى السماء الدنيا، وينادي عباده بنداء لطيف: لنيل مصالحهم، وغفران زلاتهم، وقضاء حاجاتهم، فعَنْ أَبِي هريرةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رسولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:« يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ » أخرجه البخاري(1145).

ومن أفضل أوقاتها - أيضًا - عند اقتراف العبد للسيئات والأوزار، فهي دواء الذنوب، وعلاج الأوزار والسيئات، فما جُعل من داءٍ إلا له دواء - عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَه، وجهله من جهله -، يقول صلى الله عليه وسلم:«ألا أدلكم على دائكم ودوائكم، ألا إن داءكم الذنوب، ودواءكم الاستغفار». أخرجه البيهقي في شعب الإيمان(15/180) عن أنس رضي الله عنه.

فالاستغفار دواء ناجع، وعلاج نافع، يقشع سحب الهموم، ويزيل غيم الغموم، فهو البلسم الشافي، والدواء الكافي، وهو مكفر من مكفرات الذنوب، قال الربيع بن خثيم مرة لأصحابه: ما الداء؟ وما الدواء؟ وما الشفاء؟ قال:« الداء الذنوب، والدواء الاستغفار، والشفاء أن تتوب فلا تعود » الزهد لأحمد بن حنبل: (ص:70).

إن المداومة على الاستغفار له تأثير عجيب - بإذن الله تعالى - في دفعِ الكروب، ومحوِ الذنوب، ونيلِ المطلوب، وإخراجِ الغل من القلوب، وتفريجِ الهموم، وإزالةِ الغموم، وشفاءِ الأسقام، وذهابِ الآلام، وحلولِ البركة، والقناعةِ بالرزق، والعاقبةِ الحميدة، وصلاحِ النفس والأهلِ والذرية، وإنزالِ الغيث، وكثرةِ المال والولد، وكسبِ الحسنات، وغيرِ ذلك من الفوائد.

جاء رجلُ إلى الحسن البصري - رحمه الله تعالى - يشكو إليه الجدب والقحط، فأجابه قائلاً:" استغفر الله"، ثم جاءه رجلُ آخر يشكو الحاجة والفقر، فقال له:" استغفر الله "، ثم جاءه ثالث يشكو قلة الولد، فقال له:" استغفر الله"، فعجب القوم من إجابته، حاجات مختلفة ودواء واحد، فأرشدهم بفقهه إلى الفقه الإيماني، والفهم القرآني، والهدي النبوي، وتلا قول الحق تبارك وتعالى:{ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا $ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا $ وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح:10-12]، تفسير القرطبي(18/302).

قال سفيان: دخلت على جعفر بن محمد، فقال:« إذا كثرت همومك فأكثر من لا حول ولا قوة إلا بالله، وإذا استبطأت الرزق فأكثر من الاستغفار، وإذا تداركت عليك النعم فأكثر حمدًا لله » الترغيب في فضائل الأعمال وثواب ذلك لابن شاهين(1/381).

إن للاستغفار أثر عظيم في محو الذنوب، فمهما بلغت كثرتها، وَعَظُمَ عَدُهَا فإن الاستغفار هو لها، قال - صلى الله عليه وسلم -:«وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَخْطَأْتُمْ حَتَّى تَمْلأَ خَطَايَاكُمْ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، ثُمَّ اسْتَغْفَرْتُمُ اللَّهَ لَغَفَرَ لَكُمْ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ لَمْ تُخْطِئُوا لَجَاءَ اللَّهُ - عز وجل - بِقَوْمٍ يُخْطِئُونَ، ثُمَّ يَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ، فَيَغْفِرُ لَهُمْ». أخرجه الإمام أحمد(3/238)، والحاكم في المستدرك(4/274)، والطبراني في الدعاء(1805) عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة(1951).

وعنه أيضًا قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:« قَالَ اللَّهُ: يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ: لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ: إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً ». أخرجه الترمذي(3540)، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة(127).

وقال علي - رضي الله عنه -: حدثني أبو بكر - رضي الله عنه -، - وصدق أبو بكر - أنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:« مَا مِنْ عَبْدٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إِلاَّ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ». ثم قرأ هذه الآية:{ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ } [آل عمران: 135]» أخرجه أحمد(1/223)، وأبو داود(1521) الترمذي(406)، وابن ماجه(1395)،وصححه الألباني (2/125).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - :(فمن أحس بتقصير في قوله، أو عمله، أو حاله، أو رزقه، أو تَقَلُّبِ قَلْبٍ: فعليه بالتوحيد والاستغفار، ففيهما الشِّفَاء إذا كانا بصدق وإخلاص) مجموع الفتاوى (11/698).

الاستغفار يجلب السرور في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا يذهب الله به الهم، ويشرح به الصدر، يقول صلى الله عليه وسلم :« مَنْ أَكْثَرَ مِنَ الاِسْتِغْفَارِ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجاً، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجاً، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ » أخرجه الإمام أحمد(1/248)، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - وفيه ضعف.

وفي الآخرة فإنه يجعل العبد في سرور وحبورٍ دائم، يقول صلى الله عليه وسلم :« من أحب أن تسره صحيفته فليكثر فيها من الاستغفار » أخرجه الطبراني في الأوسط(939)، والبيهقي في الشعب(1/440) من حديث ابن الزبير، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة(2299).

قال عبدالعزيز بن عمر بن عبدالعزيز:« رأيت أبي في النوم بعد موته كأنه في حديقة فرفع إلي تفاحات فأولتُهن بالولد فقلت: أي الأعمال وجدت أفضل قال: الاستغفار يا بني » المنامات لابن أبي الدنيا(ص:29).

لقد كان الاستغفار ديدنه - عليه الصلاة والسلام - في كل أحيانه وأوقاته، وكان يحافظ عليه في كل أحيانه، ومجالسه، فما كان يتركه - صلى الله عليه وسلم –، بل كان لا يفتر لسانه منه ومن ذكر لربه - عز وجل -، وكان يعلم أصحابه صيغه وأوقاته، ويبين أحواله وأزمانه.

وفيما يلي سنبين صيغه وأحواله، وأماكنه وأزمانه؛ فصيغ الاستغفار الواردة في الكتاب والسنة تأتي على أنواع ثلاثة:

النوع الأول: صيغ مقيدة بحالٍ، أو زمانٍ، أو مكانٍ معينٍ.

النوع الثاني: غير مقيد بصيغة، لكنه مقيد بحالٍ، أو زمانٍ، أو مكانٍ معين، أو عددٍ.

النوع الثالث: صيغ مطلقة غير مقيدة بحالٍ، أو زمانٍ، أو مكانٍ معين.

وبيان هذه الأنواع فيما يلي:

النوع الأول: صيغ مقيدة بحالٍ، أو زمانٍ، أو مكانٍ معينٍ، فيكون ذكرها في هذا الحال، أو الزمان، أو المكان، الذي جاء النص بتقييده مستحب على التأكيد، ومن هذا النوع ما يلي:

1- سيد الاستغفار، فقد كان يقوله - صلى الله عليه وسلم - حين يصبح، وحين يمسي، فعن شداد بن أوس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:« سَيِّدُ الاِسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّى، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ بِذَنْبِي، فاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ ». ثم قَالَ:« مَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهْوَ مُوقِنٌ بِهَا، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهْوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ » أخرجه البخاري(5947).

2- عند وقوع العبد في الذنب فيقول:( اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي )، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا يَحْكِي عن رَبِّهِ - عز وجل - قَالَ:« أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ » أخرجه مسلم(7162).

3- وكذلك - أيضًا - يقول بعد الوقوع في الذنب:( أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ )، فعن أبي أُمَيَّةَ الْمَخْزُومِيِّ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أُتِيَ بِلِصٍّ اعْتَرَفَ اعْتِرَافًا وَلَمْ يُوجَدْ مَعَهُ مَتَاعٌ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -:« مَا إِخَالُكَ سَرَقْتَ ». قَالَ بَلَى. قَالَ « اذْهَبُوا بِهِ فَاقْطَعُوهُ ثُمَّ جِيئُوا بِهِ ». فَقَطَعُوهُ ثُمَّ جَاءُوا بِهِ فَقَالَ لَهُ:« قُلْ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ ». فَقَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ. قَالَ:« اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ » أخرجه أحمد(5/293)، وأبو داود(4382)، والنسائي(4877)، وابن ماجه(2597)، والحديث صحيح.

4- عند الدخول والخروج من المسجد، فعن فَاطِمَةَ الْكُبْرَى قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ صَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ وَسَلَّمَ، وقال:« رَبِّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ ». وَإِذَا خَرَجَ صَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ وَسَلَّمَ وَقَالَ:« رَبِّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ فَضْلِكَ » أخرجه الترمذي(314)، والحديث صحيح.

5- عند ركوب الدابة، فعن علي بن ربيعة قال: شهدتُ عَلِيًّا أُتِيَ بدابَّةٍ لِيَرْكَبَهَا، فلمَّا وَضعَ رجلَهُ في الرِّكَابِ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ ثَلاَثًا فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى ظَهْرِهَا قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ ثُمَّ قَالَ:(سُبْحَانَ الَّذِى سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ) ثُمَّ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ ثَلاَثًا، وَاللَّهُ أَكْبَرُ ثَلاَثًا، سُبْحَانَكَ إِنِّي قَدْ ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ. ثُمَّ ضَحِكَ. فَقُلْتُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ ضَحِكْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟! قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَنَعَ كَمَا صَنَعْتُ ثُمَّ ضَحِكَ، فَقُلْتُ: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ ضَحِكْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟! قَالَ:« إِنَّ رَبَّكَ لَيَعْجَبُ مِنْ عَبْدِهِ إِذَا قَالَ: رَبِّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي إِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ غَيْرُكَ » أخرجه أحمد(1/97)، وأبو داود(2604)، والترمذي(3446)، والحديث صحيح.

6- في دعاء الاستفتاح، فعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ قَالَ:« وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ؛ أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُكَ ظَلَمْتُ نَفْسِي وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا إِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ، وَاهْدِنِي لأَحْسَنِ الأَخْلاَقِ لاَ يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إِلاَّ أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لاَ يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلاَّ أَنْتَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ، أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ » أخرجه مسلم(1848).

7- عند ختم سورة الفاتحة، فعن وَائِلِ بن حُجْرٍ - رضي الله عنه - أَنَّهُ سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حِينَ قَالَ:{ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ }، قَالَ:« رَبِّ اغْفِرْ لِي آمِينَ » أخرجه البيهقي(2/58)، والطبراني في الكبير(15/419)، والحديث ضعيف ولا يصح العمل به، وإنما أوردته لبيان ضعفه.

8- عند الركوع، فعن عائشة - رضي الله عنها - أَنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ:« سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ». يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ. متفق عليه

9- بين السجدتين، فعن حذيفة - رضي الله عنه - أَنَّهُ صَلَّى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ لَيْلَةٍ فَسَمِعَهُ يقول بين السجدتينرَبِّ اغْفِرْ لِي، رَبِّ اغْفِرْ لِي » أخرجه أحمد(5/398)، وأبو داود(874)، والنسائي(1069)، وابن ماجه(897)، والحديث صحيح.

10- بين السجدتين في صلاة الليل، فعن ابن عباس - رضي الله عنهما – أنه قال: كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فِي صَلاَةِ اللَّيْلِ:« رَبِّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي، وَاجْبُرْنِي، وَارْزُقْنِي، وَارْفَعْنِي » أخرجه أحمد(1/371)، وابن ماجه(898)، والحديث صحيح.

11- في حال السجود، فعن عائشة - رضي الله عنها - قَالَت: فقدتُ رسولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَظَنَنْتُ أَنَّهُ أَتَى بَعْضَ جَوَارِيهِ فَطَلَبْتُهُ، فَإِذَا هُوَ سَاجِدٌ يَقُولُ:« رَبِّ اغْفِرْ لِي مَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ ».

12- في التشهد الأخير من الصلاة، فعن علي - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، وقال في آخره-: ثُمَّ يَكُونُ مِنْ آخِرِ مَا يَقُولُ بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمِ:« اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَسْرَفْتُ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ، مِنِّي أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ » أخرجه مسلم(1848).

13- في الصلاة، فعن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - أنه قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم – علِّمني دُعَاءً أَدْعُو به في صلاتي، قَالَ:« قُلْ اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي إِنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ». أخرجه البخاري(834)؛ فيقوله في مواضع الدعاء من الصلاة.

14- وفي الصلاة - أيضًا -، فعن عَجُوزٍ من بني نُمَيْرٍ أَنَّها سمعت النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ وَوَجْهُهُ إِلَى الْبَيْتِ - قالت - فَحَفِظَتْ مِنْهُ:« رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطَايَايَ وَجَهْلِي » أخرجه أحمد(5/270)، والحديث صحيح لغيره.

15- إذا انصرف من صلاته، فعن ثوبان - رضي الله عنه - قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلاَتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلاَثًا، قال الوليد - أحد رواة الحديث - فَقُلْتُ: لِلأَوْزَاعِيِّ: كَيْفَ الاِسْتِغْفَارُ؟ قَالَ تَقُولُ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ. أخرجه مسلم(1362).

16- أن يقول في الصلاة مئة مرة:( رَبِّ اغْفِرْ لِي - أو اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي - وَتُبْ عَلَىَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الْغَفُورُ)، فعن زَاذَانَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الأَنْصَارِ - أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فى صلاة وهو يقول:« رَبِّ اغْفِرْ لِي - أَوْ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي - وَتُبْ عَلَيَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الْغَفُورُ ». مِائَةَ مَرَّةٍ. أخرجه أحمد(5/371)، وابن أبي شيبة(10/234)، والحديث إسناده صحيح.

17- عندما يأوي المسلم إلى فراشه، فعَن أَبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم – أنه قال:« مَنْ قَالَ حِينَ يَأْوِي إِلَى فِرَاشِهِ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيَّ الْقَيُّومَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ. ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، غَفَرَ اللَّهُ ذُنُوبَهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْر،ِ وَإِنْ كَانَتْ عَدَدَ وَرَقِ الشَّجَرِ، وَإِنْ كَانَتْ عَدَدَ رَمْلِ عَالِجٍ، وَإِنْ كَانَتْ عَدَدَ أَيَّامِ الدُّنْيَا » أخرجه البيهقي(3397)، والحديث ضعيف، فلا يصح العمل به في هذا الموضع، وإنما أوردته لبيان ضعفه، وإمكانية العمل به عند الاستغفار المطلق.

18- عندما يستيقظ من الليل، فعن عائشة - رضي الله عنها - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا اسْتَيْقَظَ مِنَ اللَّيْلِ قَالَ:« لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ، اللَّهُمَّ أَسْتَغْفِرُكَ لِذَنْبِي، وَأَسْأَلُكَ رَحْمَتَكَ، اللَّهُمَّ زِدْنِي عِلْمًا، وَلاَ تُزِغْ قَلْبِي بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنِي، وَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ » أخرجه أبو داود(5063)، والحديث ضعيف، فلا يصح العمل به في هذا الموضع، وإنما أوردته لبيان ضعفه، وإمكانية العمل به عند الاستغفار المطلق.

19- عندما يَتَعَارَّ الإنسان من الليل، أي ينتبه من نومه فجأة، فيسن له أن يدعو بهذا الدعاء، فعن عبادة بن الصَّامت - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:« مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، ثُمَّ دَعَا: رَبِّ اغْفِرْ لِي، غُفِرَ لَهُ ». قَالَ الْوَلِيدُ أَوْ قَال:« دَعَا اسْتُجِيبَ لَهُ فَإِنْ قَامَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى قُبِلَتْ صَلاَتُهُ » أخرجه البخاري (5947)، وأبو داود(5062) واللفظ له.

20- الاستغفار مئة مرة عند الجلوس في المجلس، فعن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال إنْ كنَّا لَنَعُدُّ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المَجْلِسِ الوَاحد مِائَةَ مَرَّةٍ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ »، وفي رواية:« إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الْغَفُورُ ». مِائَةَ مَرَّةٍ. أخرجه أحمد(2/67)، وأبو داود(1518)، والحديث صحيح.

21- في ختام المجلس عامة، فعن أبي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ بِأَخَرَةٍ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ مِنَ الْمَجْلِسِ:« سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ ». فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ لَتَقُولُ قَوْلاً مَا كُنْتَ تَقُولُهُ فِيمَا مَضَى. قَالَ:« كَفَّارَةٌ لِمَا يَكُونُ فِي الْمَجْلِسِ » أخرجه أحمد(4/420)، وأبو داود(4859)، والحديث صحيح.

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه – قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم –:« مَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِسٍ فَكَثُرَ فِيهِ لَغَطُهُ فَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ. إِلاَّ غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ » أخرجه الترمذي(3433)، والحديث صحيح.

22- عند الخروج من الخلاء، فعن عائشة - رضي الله عنها - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا خَرَجَ مِنْ الْغَائِطِ قَالَ:« غُفْرَانَكَ ». أخرجه أحمد(6/155)، وأبو داود(30)، والترمذي(7)، وابن ماجه(300)، والحديث صحيح

النوع الثاني: غير مقيد بصيغة، لكنه مقيد بحال، أو زمنٍ، أو مكانٍ معين، أو عدد، فالمشروع فيه الاستغفار بأيِّ صيغة من صيغ الاستغفار، ومنه ما يلي:

1- الاستغفار في اليوم أكثر من سبعين مرة، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه - قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ:« وَاللَّهِ إِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِى الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً » أخرجه البخاري(6307).

2- الاستغفار مئة عندما يشعر العبد بالغفلة، فعن أَبِي بُرْدَةَ عن الأَغَرِّ - أَغَرِّ مُزَيْنَةَ - قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُول:« إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي حَتَّى أَسْتَغْفِرَ اللَّهَ مِائَةَ مَرَّةٍ » أخرجه مسلم(7033).

3- الاستغفار ثلاثًا، فعن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ يَدْعُوَ ثَلاَثًا وَيَسْتَغْفِرَ ثَلاَثًا. أخرجه أحمد (1/394)، وأبو داود(1526)، والحديث ضعيف.

4- عند السَّحَر، يقول الله - تعالى -:{ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } [الذاريات:18]، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:« يَنْزِلُ رَبُّنَا - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ » متفق عليه.

5- عند إرادة الثبات على دين الله - عز وجل -، يقول الله - تعالى -:{ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ } [فصلت:6]، فلازم الاستقامة على أمر الله ملازمة الاستغفار لله، فإن الاستغفار سبب من أسباب الثبات على الاستقامة.

6- بعد إفاضة الحاج من عرفات، يقول الله - تعالى -:{ ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [البقرة:199].

7- عند طلب نزول الغيث، يقول الله - تعالى - على لسان هود - عليه السلام -:{ وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ} [هود:52]؛ وقال تعالى على لسان نوح - عليه السلام -:{ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا } [نوح:10-11].

8- عند طلب الولد، وقضاء الديون، وسعة الرزق من مال وجنان، يقول الله - تعالى - على لسان نوح - عليه السلام -:{ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا } [نوح:10-12]، وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:« مَنْ أَكْثَرَ مِنَ الاِسْتِغْفَارِ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجاً، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجاً، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ » أخرجه الإمام أحمد(1/248)، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - وفيه ضعف.

9- عند إرادة التمتع في هذه الحياة الدنيا بالمتاع الحسن، فيتمتع بالمنافع، وسعة الرزق، والسلامة من الاستئصال بالعذاب، يقول الله - تعالى -:{ وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا } [هود:3]، وقال - تعالى - على لسان نوح - عليه السلام – لما أمر قومه بالاستغفار:{ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا } [نوح:10-12]

10- عند التوبة من الذنب، يقول الله - تعالى -:{ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135]؛ وقال تعالى:{ وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا } [النساء:110]، وقال - تعالى - على لسان نوح - عليه السلام -:{ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا } [نوح:10]، ويقول صلى الله عليه وسلم :« وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ » أخرجه مسلم(7141) عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ وعن علي - رضي الله عنه - قال: حدثني أبو بكر - رضي الله عنه -، - وصدق أبو بكر - أنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:« مَا مِنْ عَبْدٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إِلاَّ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ». ثم قرأ هذه الآية:{ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ } [آل عمران: 135]» أخرجه أحمد(1/223)، وأبو داود(1521) الترمذي(406)، وابن ماجه(1395)،وصححه الألباني (2/125).

11- عند إرادة الأمن من العذاب، يقول الله - تعالى -:{ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال:33].

12- من كان به حدة في الطبع، وغلظ في القول، أو تقصير في حق الأهل والقرابة، فعن حذيفة – رضي الله عنه - قال: كانَ فِي لِسَانِي ذَرَبٌ عَلَى أَهْلِي - أي حدة وشدة - وَلَمْ يَكُنْ يَعْدُوهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ:« أَيْنَ أَنْتَ عَنْ الاِسْتِغْفَارِ؟ إِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ كُلَّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ » أخرجه الدارمي في مسنده(2765)، والبيهقي في الدعوات(166،146).

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -:( إذا وجد العبد تقصيرًا في حقوق القرابة، والأهل، والأولاد، والجيران والإخوان، فعليه بالدعاء لهم، والاستغفار ) مجموع الفتاوى(11/698).

13- الاستغفار المطلق في كل زمان ومكان، وعلى كل حال يناسب الاستغفار، يقول الله - تعالى -:{ وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ } [هود:90]؛ وقال تعالى:{ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [المزمل:20].

النوع الثالث: صيغ مطلقة غير مقيدة بحالٍ، أو زمانٍ، أو مكانٍ معين؛ ومن هذه الصيغ ما يلي:

1- عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - عن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ:« رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي كُلِّهِ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطَايَايَ وَعَمْدِي وَجَهْلِي وَهَزْلِي، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ، وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ». متفق عليه

2- عن زيد مولى النبي - صلى الله عليه وسلم – قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يقول:« مَنْ قَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، غُفِرَ لَهُ وَإِنْ كَانَ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ » أخرجه أبو داود(1519)، وأخرجه الترمذي(3577)، والحديث صحيح.

3- عن عائشة - رضي الله عنها – قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يُكْثِرُ من قَول:« سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ »؛ قالت: فقلت: يا رسول الله أراك تُكثر من قول: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ. فَقَالَ:« خَبَّرَنِي رَبِّي أَنِّي سَأَرَى عَلاَمَةً فِي أُمَّتِي فَإِذَا رَأَيْتُهَا أَكْثَرْتُ مِنْ قَوْلِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ. فَقَدْ رَأَيْتُهَا:{ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ } فتح مكة { وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا } [النصر1-3] » أخرجه مسلم(1116).

4- عن أم سلمة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول:« رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَاهْدِنِي لِلطَّرِيقِ الأَقْوَمِ »، وفي رواية عنها بلفظ:« رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَاهْدِنِي السَّبِيلَ الأَقْوَمَ » أخرجه أحمد(6/303)،(6/315)، والحديث ضعيف.

ومما سبق يتبين صيغ الاستغفار الواردة في الكتاب والسنة، وبيان أوقاتها وأحوالها وأزمانها؛ وبعد هذا البيان فللمكلف أن يستغفر ربه بما ورد تقييده بوقت أو مكان أو حال على أنه ذكر مطلق، أو استغفار عام فهذا لا حرج فيه، شريطة أن يقصد به الاستغفار المطلق لا المقيد.

مسألة:

انتشر بين الناس في هذه الأيام أن بعضهم يستغفر بنية معينة، لتحقيق أمر ما، كمن يريد الرزق مثلاً فإنه يستغفر الله بنية الرزق، وكذا من يريد الذرية فإنه يُكثر من الاستغفار بنية الذرية، فهل يجوز له ذلك؟

فالقول في ذلك - والله تعالى أعلم - أن هذا الأمر لا بأس به، فقد جاء في قول الله تعالى في سورة نبي الله نوح:] فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا $ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا $ وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا[ [نوح:10-12].

فالآية فيها دلالة على أن الاستغفار بنية الرزق سواءً مطرًا، أو ولدًا، أو حصول الخيرات ونحوه واقع وموعود به، وبهذا أجاب الإمام الحسن البصري - رحمه الله تعالى – ذلك الرجل الذي جاءه يشكو الجدب والقحط، فأجابه قائلاً:" استغفر الله"، ثم جاءه رجلُ آخر يشكو الحاجة والفقر، فقال له:" استغفر الله "، ثم جاءه ثالث يشكو قلة الولد، فقال له:" استغفر الله"، فعجب القوم من إجابته، حاجات مختلفة ودواء واحد، فأرشدهم بفقهه إلى الفقه الإيماني، والفهم القرآني، والهدي النبوي، وتلا قول الحق تبارك وتعالى:{ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا $ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا $ وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح:10-12]، تفسير القرطبي(18/302) بتصرف.

وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:« مَنْ أَكْثَرَ مِنَ الاِسْتِغْفَارِ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجاً، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجاً، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ » أخرجه الإمام أحمد(1/248) عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، وفيه ضعف.

والمفهوم من هذه النصوص وأمثالها أن الاستغفار وسيلة من الوسائل التي يمكن للعبد أن يستعملها لتحقيق مطلوبه من إنزال المطر، واستجلاب الرزق، والذرية، والقوة، وحصول مغفرة الذنوب، وتفريج الكروب، والخروج من الهموم.

وقد كان شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - يُكثر من الاستغفار إذا أشكلتْ عليه مسألة، يقول - رحمه الله تعالى -:( إنه ليقف خاطري في المسألة والشيء، أو الحالة التي تُشْكِل عليّ فأستغفر الله تعالى ألف مرة أو أكثر أو أقل حتى ينشرح الصدر، ويَنْحَلّ إشْكال ما أشْكَل) ابن تيمية بطل الإصلاح الديني(ص:17) بتصرف.

لكن: هل لمن استغفر بقصد دنيوي أجر عند الله تعالى؟ أم هو ممن استعجل الدنيا كما قال تعالى:] مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ $ أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [ [هود:15-16]؛ قال ابن كثير - رحمه الله تعالى -:( من عمل صالحاً التماس الدنيا لا يعمله إلا لالتماس الدنيا فلا يوفى إلا في الدنيا، والذي التمس في الدنيا من المثوبة فهو في الآخرة من الخاسرين) أ.هـ تفسير ابن كثير(2/577) بتصرف.

فهذا يدل على أن الإنسان إذا عمل عملاً صالحاً أراد به الدنيا فقط، ولم يقصد به ثواب الآخرة أنه لا ثواب له في الآخرة، وأما إن قصد به ثواب الآخرة فقط، أو ثواب الآخرة وحصول المقصود في الدنيا فإنه يثاب على ذلك. والله تعالى أعلم.

أسأل الله أن يجعلنا له من المستغفرين المنيبين، ومن الذاكرين الشاكرين، إنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

بقلم الفقير

إلى عفو سيده ومولاه

د. ظَافِرُ بْنُ حَسَنْ آل جَبْعَان

www.aljebaan.com

الأربعاء 5/6/1436هـ

جديد المقالات

.

تصميم وتطوير كنون